إعادة تقييم للموقف!

بالرغم من توقيع اتفاق خفض التصعيد الجديد الذي يشمل جنوب سورية، في عمّان، الأربعاء الماضي (وفق مصادر موثوقة لـ"الغد")، تأكيداً لاتفاق عمّان في تموز الماضي بين الأميركيين والروس، مع ذلك فإنّ الأمور لا تبدو بهذه السلاسة والسهولة، مع التطورات الإقليمية وخلط الأوراق من جديد!اضافة اعلان
الأردن بدأ يدرّج حساباته ورهاناته في الفترة الأخيرة على تطورات مرتبطة بنهاية تنظيم داعش واختلال موازين القوى في سورية لصالح التحالف الروسي- الإيراني- السوري، وعلى تحسين العلاقات مع بغداد وصولاً إلى فتح معبر طريبيل وتحريك الحدود الشرقية، وربما الشمالية، مع التفكير في خياراتنا تجاه الملف السوري.
ربما انعكس هذا الموقف، بصورة غير معلنة، ولا رسمية، على علاقة الأردن بالمعارضة المسلّحة في جنوب سورية، بل وحيثيات انسحابها من المناطق المحاذية للحدود الشمالية بين الركبان (التي يطلق عليها مصطلح المنطقة الحرام لشمولها بالحماية الأميركية) ومناطق اتفاق عمّان (التي تشمل درعا)، فاستطاع النظام السوري السيطرة على المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الحرّ على الحدود الشمالية، وكانت تضم مخيم الحدلات، الذي انتهى عملياً مع نزوح سكانه إلى مخيم الركبان.
التبرير الرسمي الأردني تمثّل في أنّ موازين القوى لم تكن لصالح الجيش الحرّ، وأنّ هذه المنطقة –التي سيطر عليها النظام السوري- لم تكن ضمن خرائط اتفاق عمّان، ولا المنطقة الحرام (التنف والركبان وغيرها)، مع احتفاظ الأردن بخطوطه الحمراء بعدم اقتراب "الميليشيات الطائفية" (وفق التعبير الرسمي الأردني إلى الحدود بين الأردن وسورية).
لكن المفاجأة الجديدة تمثّلت –في أثناء التحضير للاتفاق الجديد لمناطق منخفضة التصعيد في جنوب سورية- بتأسيس ميليشيات محلية في درعا (اللواء 313)، ذات طابع طائفي (كما تدّعي المعارضة السورية)، في بلدة أزرع، وهي ميليشيات مدعومة من الحرس الثوري الإيراني بالكلية، وتحاكي نماذج سابقة من ميليشيات طائفية محلية تأسست في العراق وسورية!
الخطوة تحمل دهاءً ملحوظاً من الإيرانيين، فالميليشات محلية، وتبعد مسافة عن الحدود الأردنية، لكنّها تؤسس لما هو أخطر في المرحلة القادمة، أي نقل الصراع الطائفي إلى المناطق الجنوبية، وإيجاد قدم لإيران، وأدوات يمكن استخدامها لمواجهة الأطراف الأخرى!
في المقابل، لا توجد تفصيلات دقيقة عن بنود اتفاق خفض التصعيد، ومن الواضح أنّ الأردن يفضّل العمل بعيداً عن الإعلام، لكن مثل هذه الخطوة الإيرانية –على الأغلب- لم تكن ضمن الحسابات والقراءات الأردنية أو الأميركية.
ما هو أهم من هذا وذاك أنّ مؤشرات الهدوء والاستقرار الإقليمي، التي بدأ الأردن يركن إليها، تراجعت وتخلخلت مع التصعيد الإقليمي الجديد بين السعودية وإيران، والخشية من إعادة فتح نوافذ جديدة لحروب الوكالة الإقليمية، وارتفاع منسوب حدّة الاستقطاب الإقليمي في المنطقة، من دون أن يكون الأردن شريكاً فاعلاً أو مخطّطاً في أيّ محور!
صحيح أنّ موقف الأردن المتزن العقلاني وسط هذا الجو الإقليمي الموبوء يحظى بقبول وارتياح من شريحة معتبرة من الرأي العام الأردني، تخشى من الانزلاق إلى مرحلة أسوأ إقليمياً، لكن في الوقت نفسه فإنّ هذا الموقف قد تكون له ضريبة أشد، ولن يرضى أي طرف دولي أو إقليمي، فيما لو تدهورت الأمور إلى مرحلة أكثر سوءاً مما سبق، ومع بدء الحديث عن إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية فوق الطاولة وتحتها، بما يشمل إسرائيل ويدمجها في الصراع الإقليمي في مواجهة إيران!
في المحصلة هذه التطورات تفرض إعادة تقييم جذرية من قبل الأردن، وربما بحث خيارات التموضع مسبقاً، والسيناريوهات المحتملة في المرحلة القادمة!