إعادة صياغة سوق المال

متعاملون في البورصة الأميركية يرصدون تحرك أسعار الأسهم -(أرشيفية)
متعاملون في البورصة الأميركية يرصدون تحرك أسعار الأسهم -(أرشيفية)

مارك رو*

كامبريدج- اشتكى المسؤولون في مؤتمر البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عن سوق المال والذي انعقد في الشهر الماضي من استمرارية ضعف الاسواق، وبالفعل فبعد ست سنوات من الازمة التي حدثت في سوق المال والتي أركعت تقريبا الولايات المتحدة الأميركية والنظام المالي العالمي فإن المخاطر الكبيرة والتي عكست تلك الازمه لم يتم التحكم بها لغاية الآن.اضافة اعلان
ان سوق المال في جوهره يلبي حاجة شركة او مؤسسة غير ربحية من اجل تخزين النقد والذي يمكن ان تصل اليه في أي وقت فعلى سبيل المثال يجب ان تضع جامعة ما جزء من مدفوعات رسوم الطلاب جانبا من اجل تغطية النفقات غير المتوقعه ولكن المبلغ أكبر من مبلغ المائتين وخمسين ألف دولار أميركي وهو اقصى مبلغ تؤمن عليه الحكومة في الحساب الواحد، ما يعني ان الجامعة قد تلجأ الى سندات الخزانة الأميركية من اجل المزيد من الضمان لنقودها.
ان العملية سهلة فالجامعة تودع الاموال في البنك لفترة قصيرة- عادة ليوم واحد فقط- ويقوم البنك بتوفير سند الخزانة الأميركية كضمان ولو لم يقم البنك باعادة النقود في اليوم التالي فإن بإمكان الجامعة بيع السند والاحتفاظ بالمبلغ العائد لها واعادة اية زيادة للبنك مما يعني ان نسبة الامان هي تقريبا نفس الودائع البنكيه المؤمن عليها من قبل الحكومة.
لو قامت الجامعات فقط بالانخراط في مثل تلك الممارسات لما تضخم سوق المال لدرجة الحاق ضرر كبير بالاقتصاد سنة 2008 و 2009 ولكن الشركات الكبيرة والتي تنتظر استثمار الفائض النقدي تقوم بعمل نفس انواع الودائع النقدية- ملايين الدولارات في كل مرة-بسبب عدم رغبتها في الاعتماد فقط على وعد البنك بضمان أي شيء يزيد على 250 ألف دولار أميركي.
ان المدخرين العاديين يستخدمون نقودهم من اجل شراء اسهم في صناديق سوق المال والتي تقرض ذلك النقد للمؤسسات الماليه بحيث تحصل على سندات خزانة أميركية طويلة الاجل كضمان ووعد بالسداد في اليوم التالي. ان أية صناديق تحوط تضع الاموال التي تتلقاها من المستثمرين في سوق المال بينما تنتظر فرص استثمارية واعدة طويلة الاجل.
باختصار، فإن سوق المال ليس فقط مؤسسات قليلة تدير بضعة بلايين من الدولارات. ان سوق المال هو سوق ضخم تبلغ قيمته عدة تريليونات من الدولارات وفي الواقع فلقد كانت قيمة السوق 4 تريليون دولار أميركي قبل الأزمة المالية مع انخفاضها لاقل من 3 تريليون دولار أميركي خلال الازمة مما عطل من النشاط الاقتصادي الحقيقي.
لكن حجم سوق المال ليس السبب الوحيد لهشاشته فهناك مشكلة اخرى تتمثل في ان البنوك هي ليست المؤسسات الوحيدة التي تديره.
ان المفتاح من اجل انجاح تعاملات سوق المال هو ملكية المقترض لسند خزانة يمكن ان يقدمه "للمودع" كضمان ونظرا لذلك فإن أية مؤسسة ماليه كبيرة بما فيه الكفاية لتمتلك مثل هذه السندات يمكن ان تقلد الدور الاقراضي للبنك علما ان العديد من المؤسسات غير المصرفية تعمل ذلك وعادة بعيدا عن اعين الجهات التنظيمية وهكذا فإن سوق المال يتوسع الى ما هو أبعد من النظام المصرفي المنظم ليضم ما يطلق عليه " قطاع الظل المصرفي".
ان المشكلة الاخيرة هي ان هذه المؤسسات غير المصرفية والتي تمتلك رؤوس اموال قليلة لا تعرض فقط التزامات الخزانة الأميركية كضمان ولكنها تعرض كذلك اوراق مالية اضعف مثل تجميع الرهونات العقارية . ان هذه الاوراق الماليه ليست التزامات أميركية ولا تحمل ضمان حكومي ولا تحافظ على قيمتها الفعلية عند وقوع الازمة.
عندما تندلع ازمة ما ولا يستطيع المقرضون اعادة النقد يستعد المودعون لبيع الضمان ولكن بينما يمكن ان تتحمل سندات الحكومة الأميركية البيع على نطاق واسع فإن الامر نفسه لا ينطبق على سندات الرهن العقاري وخاصة اذا اصاب سوق الاسكان الضعف كما حصل خلال الازمة المالية الاخيرة. ان امكانية ذلك البيع جعل ملاءة العديد من المؤسسات المالية في خطر ما ادى الى قيام الحكومة الأميركية بإنقاذ سوق المال وسوق سندات الرهن العقاري ومؤسسات فاني ماي وفريدي ماك سيئة السمعة والتي دعمت العديد من الاوراق المالية المتعلقة بالرهن العقاري.
ان هناك ثلاثة طرق لجعل سوق المال أكثر امنا. اولا هو جعل المؤسسات التي توفر اشباه النقود اكثر امنا عن طريق زيادة رأسمهالها. ثانيا هو الحد من الحجم الاجمالي من التعاملات المالية غير المنظمة والتي يمكن ان تعملها مؤسسة ما.
ثالثا هو السماح بمثل هذا النوع من الاقراض فقط في حالة توفر ضمان قوي جدا مثل سندات الخزانة وليس الاوراق المالية المدعومة بالرهونات العقارية والتي يمكن ان تخسر قيمتها بسرعه خلال الازمة مما يتطلب حزمة انقاذ حكومية. يجب ان تقر الحكومة في البداية اية انواع من الضمان سوف تضمنها في حالة وقوع ازمة بدلا من ان تحشر في الزاوية عندما تصبح الاسواق والمؤسسات والضمانات والتي لم تتعهد مطلقا بدعمها على حافة الانهيار.
ان مؤسسات سوق المال لا يمكن التعويل عليها لاتخاذ خطوات السلامة المنهجية تلك من تلقاء نفسها فالمعاملات المالية مربحة جدا في الاوقات الاقتصادية الاعتيادية وهذه المؤسسات تعلم ذلك ولو وقعت ازمه اخرى فإن الحكومة سوف تضطر مرة اخرى لدعم السوق ودعم المؤسسات المالية الضعيفة.
وعليه فإن الامر عائد لصناع السياسات من اجل التقليل من المخاطرة المالية لسوق المال ولكن انتشار مؤسسات الظل المصرفية والتي لا توجد لديها المواثيق الموجودة لدى البنوك التقليدية ولا تخضع للانظمة المصرفية يعقد تلك الجهود.
ان الحل الكامل يجب ان يركز على منع جميع المؤسسات من تقديم اشكال اضعف من الضمان وكما اقترحت انا وايد موريسون وكريستوفر سونتشي في نهاية مؤتمر البنك الاحتياطي الفيدرالي في الشهر الماضي انه يتوجب على الجهات التنظيمية الأميركية تغيير أحكامها من اجل تحريم استخدام الاوراق المالية المدعومة من الرهونات العقارية وغيرها من الاوراق الماليه الضعيفة بشكل مكثف في سوق المال ما لم تقرر الحكومة في البداية ان تدعمها بشكل كامل . ان الضمان الاضعف يمكن استخدامه في مكان آخر ولكن ليس من اجل ايداع النقود حتى صباح اليوم التالي حيث انه من اجل ذلك نحتاج الى اوراق مالية أكثر امانا.
لو تبنى صناع السياسة الأميركان هذه المقاربة فإن نبرة مؤتمر سوق المال المقبل للبنك الاحتياطي الفيدرالي ستكون أكثر تفاؤلا.-(بروجيكت سنديكت).
*استاذ في كلية القانون التابعة لجامعة هارفارد.
خاص بـ الغد بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.