إعادة هيكلة القطاع العام المهمة المستحيلة!

لم يحظ موضوع عام يتعلق بالسياسات الاقتصادية، خلال العقود الاربعة الأخيرة على المستوى العالمي، وخلال العقدين ونصف العقد الماضيين على المستوى المحلي، كما حظي موضوع اعادة هيكلة المؤسسات الحكومية، أو اعادة هيكلة القطاع العام.اضافة اعلان
ولكن ماذا كانت النتيجة؟! فقد بقي شعار اعادة هيكلة القطاع العام على رأس أولوليات جميع الحكومات التي تشكلت عبر العقدين ونيف الماضيين في الاردن دون أن يتجرأ أحد على أخذ القرار السليم تجاه اعادة هيكلة القطاع العام.
وكانت أكثر الحكومات تردداً في هذا المجال هي تلك التي قامت باستحداث منصب وزاري لاعادة هيكلة القطاع العام والغائه عدة مرات خلال فترة شهور قصيرة. فهل ستتمكن حكومة الدكتور بشر الخصاونة من انهاء مهمة مشروع اعادة هيكلة القطاع العام خلال فترة ولايتها في السنوات المقبلة؟
حتى تنجح عملية اعادة الهيكلة التي انطلقت شرارتها لأول مرة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، لا بد من تحديد أهدافها ونطاقها ودرجة شموليتها وإطارها الزمني المطلوب لتنفيذها. فهل ستشمل عملية اعادة الهيكلة الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية الخاضعة لموازنة الحكومة المركزية فقط، أم ستشمل أيضاً جميع المؤسسات والدوائر وهيئات التنظيم الخاضعة لموازنات الهيئات المستقلة؟! باعتقادي حتى يكون مشروع اعادة الهيكلة مجدياً ويحقق أهدافه التي انطلق من أجلها لا بد أن يكون شاملاً وواسعاً.
وفي أوقاتنا الحاضرة، لم يعد محور عمليات اعادة الهيكلة هو التركيز على نقل نموذج القطاع الخاص، فبدلاً من ذلك، أصبح الأمر يتعلق بالحكم الرشيد؛ وهو مزيج من المطالب لمزيد من الكفاءة والفاعلية وجودة الخدمات وسرعة وصولها للمواطن عبر الانترنت وبكلف متدنية.
وبعد الأزمة المالية العالمية، أصبح هدف الإصلاح الإداري يعني ترشيد الهيكل الحكومي من أجل تحسين كفاءة الخدمة العامة. فعندما يُطرق مشروع إعادة الهيكلة، يذهب الفكر الى عمليات الدمج، وتقليص الحجم، والاستعانة بمصادر خارجية للأنشطة التنظيمية الرئيسية وما إلى ذلك. وبالتالي فان إعادة الهيكلة قد تعني في بعض القطاعات الاستغناء عن الوظائف أو التقاعد المبكر وبالتالي تقليص الإنفاق العام بهدف مواجهة الضغوط المالية في خزينة الدولة.
وفي أوقات أخرى، تعني إعادة تأهيل وتدريب القوى العاملة في القطاع العام وتنفيذ التحسينات التي توازن بين الكلفة والجودة. كل ذلك لأن الكفاءة والفاعلية في أداء الحكومة تعتمد على موهبة الموظفين العموميين وجودة معارفهم ومهاراتهم.
ونظرا لارتفاع معدلات البطالة (23.9 % في الربع الثالث من العام 2020) وعدم قدرة القطاع الخاص أو عدم رغبته في التوسع، ونظرا لوجود ضغوط كبيرة من البرلمان على الحكومات تجاه التوظيف في القطاع العام، فان مشروع اعادة الهيلكة بقي مكبلاً ومهمته كانت مستحيلة واستمر تحديًا عنيداً أمام الحكومات المتعاقبة.
هناك فرصة كبيرة سانحة أمام هذه الحكومة بهذا الاتجاه، وخصوصاً أن كم الدراسات التي أجريت لغرض اعادة الهيكلة كبير جداً ومتنوع. فمراجعة بسيطة للأدبيات الاقتصادية والادارية الموجودة في الادراج الحكومية، تشير الى مدى انهماك الحكومات المتعاقبة بموضوع اعادة الهيكلة، ولكن دون أدنى تقدم ملموس يذكر بهذا الاتجاه. حكومة الدكتور بشر الخصاونة لا تحتاج لاجراء المزيد من الدراسات، وانما تحتاج لقرار اقتصادي وفني يسبقه قرار سياسي حازم بهذا الاتجاه. فحجم القطاع العام كبير بكل المعايير (34 % من الناتج المحلي الاجمالي) وكفاءته لم تعد محط اعجاب وفقا للمعايير الدولية، وعبئه على الخزينة ملحوظ في جانب النفقات الجارية، حيث يستحوذ على 88 % من موازنة الخزينة للعام 2021، ولا بد من اعادة الالق للأردن بهذا الاتجاه.