إعفاءات مقابل التشغيل

سلامة الدرعاوي

كثيرة هي الإعفاءات التي منحت لمشاريع مختلفة بموجب قانون الاستثمار، بالمقابل لم تحقق الفائدة المرجوّة منها بخلق قيمة مضافة عالية على الاقتصاد الوطنيّ، وظهرت تلك الإعفاءات كأنها شكل من أشكال الدعم التي قدمتها الحكومة لغير مستحقيها أبداً.اضافة اعلان
هذا الشكل من الإعفاءات جعل الحكومة ممثلة بوزارة الماليّة تفكر جديا بإلغاء هذه الاعفاءات من قانون الاستثمار، وهو ما تم فعليا بالمسودة الأولى التي أقرها مجلس الوزراء، وتم تجميدها في لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النوّاب.
إلغاء الإعفاءات واستبدالها بحوافز ماليّة في قانون الاستثمار أمر لا يدفع عملية جذب الاستثمار وتوطينها في الأردن للأمام، فدول الجوار جميعها بلا استثناء تقدم من الإعفاءات والحوافز والتسهيلات أكبر بكثير مما يتخيله راسم السياسة الاقتصاديّة، فهناك تسارع كبير في تلك الدول لجذب المستثمرين لديها، وهذا ما يفسر وجود 1800 رجل أعمال أردني أقاموا استثمارات كبيرة في جمهورية مصر، وأقل من هذا العدد بقليل موجود في تركيا، وهؤلاء كان بإمكان الحكومة أن تستفيد من توسعاتهم الاستثماريّة بمنحهم الإعفاءات والتسهيلات المطلوبة، مما سيكون له الأثر الكبير في خلق مزيد من فرص العمل، وزيادة كبيرة في الصادرات، لكن للأسف ذهبت هذه التوسعات الاستثماريّة للجوار للاستفادة من حوافز وإعفاءات وتسهيلات غير موجودة بموجب قانون الاستثمار.
لا يمكن أن تحلّ مشكلتا البطالة والفقر اللتان تعصفان بالاقتصاد الوطنيّ وأمنه المجتمعي دون ان يكون هناك معدّلات نموا مرتفعة تتجاوز الـ5 %-6 % بالحد الأدنى، وهذا لا يتم إلا من خلال تسريع وتيرة التدفقات الاستثماريّة المحليّة والأجنبية على حد سواء.
مشروع قانون الاستثمار الجديد الذي يجري بالكواليس إعداد مسودته بالتعاون مع جهات خارجيّة لا يمكن له أن يحقق جذب الاستثمارات ويشجعها على التوسع أو القدوم للمملكة طالما بقيت عقلية النظر للإعفاءات باعتبارها هدرا ماليّاً تقدّر قيمته السنويّة على الخزينة بحوالي 800 مليون دولار.
الهدر في الإعفاءات سببه التسيب الحكومي والمزاجية في منحها في ظل غياب الأسس الصحيحة والسليمة في كيفية الحصول عليها وفق ضوابط اقتصادية محددة، فغياب العملية المؤسسية في منح الإعفاءات والحوافز الاستثماريّة جعل عملية التسلل للحصول على الإعفاءات تستند إلى قوى نافذة تمتلك القدرة على الوصول للمعنيين في مجلس الوزراء للحصول على ما يرغبون به من إعفاءات وتسهيلات ليس لها أي قيمة مضافة على الاقتصاد.
معالجة السلوك غير الشرعي والمزاجية والعشوائية في منح الإعفاءات لا يكون بتقنينها أو إلغائها أو استبدالها كما يتصوره البعض، فمعالجة هذا الخطأ لا يكون بإلغائه، وإنما بتصويبه وقوننته ومأسسته، فالمستثمر باتت لديه خيارات أوسع وبدائل أكثر من أن يظل في الأردن، ففي الجوار تسهيلات ومغريات استثمارية تحقق له عوائد كبيرة تدفعه للذهاب والاستثمار هناك.
فرصة الحكومة ومجلس النوّاب ما زالت كبيرة في استدراك أخطاء الماضي، من خلال إعداد قانون عصري ومبسط للاستثمار، يمنح الحوافز والتسهيلات للاستثمار الذي له قيمة مضافة عالية على الاقتصاد خاصة في مسألة التشغيل، فلا يمكن حل مشكلة البطالة في الأردن دون فتح باب التشغيل في القطاع الخاص والذي لا يكون إلا من خلال دعم المشاريع الاستثماريّة بالإعفاءات المطلوبة، وهنا تأتي عملية ربط تلك الإعفاءات بالتوظيف والتشغيل، فكلما وظف وأهل ودرب المشروع الاستثماري أردنيين أكثر لديه، كلما حصل على إعفاءات أكثر وهكذا.
ربط الإعفاءات بالتشغيل هو أساس أي حل اقتصادي لمشكلة البطالة التي باتت كابوساً حقيقياً يهدد الأمن والاستقرار في المجتمع.