إعمار غزة.. امتحان جديد للعرب

أيام، أو أسابيع قليلة، وسيتوقف العدوان الصهيوني البشع على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتعود طائرات الاحتلال وصواريخه إلى قواعدها، بانتظار مجزرة جديدة وحرب إبادة مفتوحة بحق هذا الشعب الأعزل إلا من إرادة الصمود والمقاومة والتمسك بحلم التحرير والعودة.اضافة اعلان
سيتوقف العدوان البربري، لكنه سيخلّف وراءه أكثر من 200 ألف فلسطيني مشرد بلا مأوى ولا بيت يؤويه وعائلته، وآلاف الجرحى والمصابين والمعاقين، ومئات آلاف الأطنان من ركام البيوت والمؤسسات والمصانع والشركات والبنى التحتية التي ضربها زلزلال العدوان الإسرائيلي بلا رحمة ولا إنسانية على مدى شهر كامل، بعد أن فتحت له أوسع مخازن الأسلحة الأميركية، وسط تواطؤ دولي فاضح.
وتُظهر الصور والتقارير الواردة من قطاع غزة المنكوب، وحتى قبل أن تضع الحرب العدوانية أوزارها، حجم الدمار غير المسبوق الذي لم يتعرض لمثله القطاع في حروب العدوان السابقة، فيما تتجلى الكارثة الإنسانية بأبشع صورها في استمرار الحصار المفروض على القطاع منذ نحو سبع سنوات، ما يحد من تدفق المساعدات والمواد اللازمة لمواجهة هذه الكارثة.
فرغم ارتفاع أعداد النازحين والمشردين من آلاف البيوت المدمرة أو المستهدفة على مدى أيام العدوان، لم تجد "الأونروا" والمنظمات الإنسانية الأخرى سوى غرف مدارس الوكالة وساحاتها والمساجد لاستضافة النازحين، فيما لم يستطع أحد أو مؤسسة توريد "كرفانات" أو حتى خيم لإيواء عشرات الآلاف، وبقي أغلبهم في العراء.
غزة اليوم، التي تغرق في دماء شهدائها وجرحاها، وبين قنابل وشظايا وأدخنة وسموم أبشع آلة قتل بربرية في التاريخ، تستطيع أن تصمد وتقاوم، وأن تبذل الغالي والنفيس من دماء أبنائها، دفاعا عن كرامة الأمة وشرفها وحقوقها. لكن غزة اليوم، وشعبنا الفلسطيني فيها، يحتاجان لإغاثة عاجلة، وإعادة إعمار واسعة، تقيان مشرديها ونازحيها، وأصحاب البيوت المدمرة، الموت والمرض في العراء وبسبب الجوع ونقص العلاج والمياه.
التقديرات اليوم بأن قيمة الخسائر المباشرة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تصل إلى ستة مليارات دولار، وأن مفاوضات الهدنة تتناول أيضا محور إعادة الإعمار، وعقد مؤتمر للدول المانحة في النرويج في أيلول (سبتمبر) المقبل للبحث في تمويل إعادة الإعمار. إلا أن الرهان على مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة هو كالرهان على معالجة مرض السرطان بالمسكنات، وهو، بحسب التجارب السابقة، لن يغني ولن يسمن من جوع، ما يضع على عاتق الدول العربية، وتحديدا الخليجية منها، الدور الأساس لإغاثة قطاع غزة، والشعب الفلسطيني المنكوب.
لن يكون كبيرا على الدول العربية، والخليجية تحديدا، جمع عشرة مليارات دولار، لتثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه، وإغاثته ومساعدته بمعالجة آثار العدوان الهمجي. ولا يجوز أن تبقى سياسة المحاور، والخلافات والصراعات السياسية العربية مع حركة حماس عائقا أمام دعم الشعب الفلسطيني وإغاثته، فالعدوان والحقد الإسرائيليان استهدفا أولا الشعب الفلسطيني قبل مقاومته.
وإذا كان الموقف السياسي العربي تجاه العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة قد بدا مخزيا وسلبيا، إن لم نقل متواطئا، فان التحدي والمطلوب اليوم من العرب، هو تقديم الدعم المالي الطارئ والكافي لإعمار غزة. ولا بد أن يترافق ذلك مع جهد عربي حقيقي لفك الحصار الشامل على القطاع، وعدم قبول استمراره تحت أي حجة، فهو وصمة عار في وجه الإنسانية والكرامة العربية.
فهل ينجح العرب في هذا الامتحان؟!