إفلات من العقاب أم عقاب للحرية؟

د.نهلا عبدالقادر المومني أن تعلن الأمم المتحدة الثاني من شهر تشرين الثاني من كلّ عام يومًا دوليًا لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين فإن ذلك يعني انّ الصحفيين يمارسون عملهم في ظروف تحيد عن سيادة القانون وعن نهج العدالة القائمة على توفير ضمانات تتفق والمعايير الدولية لحقوق الإنسان أبرزها الحق في محاكمة عادلة والحق في وجود نظام عادل مستقل ومنصف يشكل طريقا واضحا في اللجوء إليه لدى التعرض لأي انتهاك بغض النظر عن طبيعته ونوعه. في جلستها الثامنة والستين عام 2013 ولدى اعتماد الأمم المتحدة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين، دعت الامم المتحدة الدول إلى اتخاذ تدابير تشريعية وإجرائية تكفل إنهاء الحالة المتزايدة من الإفلات من العقاب، وفي الوقت ذاته أدانت أعمال العنف بحق الصحفيين، ودعت إلى تأمين بيئة آمنة لضمان انسياب العمل الصحفي والاعلامي ومساءلة كل من يرتكب تجاوزات بحق أفراد هذه المهنة. على أرض الواقع، معيقات عديدة تحول دون انهاء فعال لحالة الافلات من العقاب بحق الصحفيين والاعلاميين أبرزها الخوف من فكرة الحرية القادرة على ايصال المعلومة والحقيقة بتفاصيلها كافة للأفراد، والسعي لإنهاء حالة الرقابة التي تضطلع بها مهنة الصحافة في أرجاء العالم خوفًا من أن تسهم هذه الرقابة الاعلامية في تفعيل حالة الرقابة الشعبية الداخلية أو خوفًا من مساءلة دولية تضع الدول أمام مسؤولياتها. الافلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين يتوجب ألا يفهم فقط في اطار الجرائم ذات الخطورة العالية كالقتل على سبيل المثال؛ فكلّ جريمة بحق الصحفيين والاعلاميين مهما كان حجمها ودرجة خطورتها من شأنها أن تحول شيئا فشيئًا دون صحافة واعلام حر، ومن شأنها أن تنأى بأصحاب المهنة عن التطرق لقضايا تهم الشأن العام وتؤثر في حياة الافراد، والبقاء في دائرة القضايا الروتينية والتقليدية والتي تضمن البقاء خارج اطار المساءلة أو التضييق أو المواجهة. الإفلات من العقاب كان وسيبقى الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان وحرياته، ففكرة حقوق الانسان تقوم ابتداء على وجود نظام فاعل للعدالة وخط دفاع عن الحقوق والحريات في مواجهة المنتهكين والمعتدين أيًا كانت صفتهم ودون ذلك سيبقى جوهر حقوق الانسان فارغًا من مضمونه، فالعدالة وجدت لتدافع عن الانسان وعن ممارسته لمهنته ولواجبه. الاستمرار في الافلات من العقاب في الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين والاعلاميين في مضمونه وجوهره وخلف سطوره هو عقاب للحرية وعقاب لكل من يدافع عن الكلمة ويضع الامور في نصابها. المقال السابق للكاتبة اضافة اعلان