إلا صحة الفقراء!

عشرة بالمائة فقط اعتقدت الحكومة الحنونة بأن إضافتها على ضريبة الأدوية، لن تشكل فارقا على المواطن كما ستفعل مع ميزانيتها التي سترفدها بستين مليون دينار إضافية على قيمة الضرائب خلال العام الجاري. عشرة بالمائة يا أدمغة الحلول الإبداعية لا تعلمون أنها كفيلة بإرجاع خطوات المرضى من متوسطي الدخل والفقراء عشرات المترات من أمام الصيدليات، ولإجراء عشرات العمليات الحسابية للإقدام على خطوة شراء علبة دواء. هل قلت علبة دواء؟ بعد أيام قليلة لن تكون هناك علب للدواء، بل أشرطة وربما حبوب، بدون أن نستغرب ذلك!اضافة اعلان
فقبل حتى أن تتجرأ الحكومة بمباركة مجلس النواب على علاج المواطن، سمعنا بقصص حقيقية مؤلمة عن آباء انتظروا أن يدخل الليل على أوجاع أولادهم، كي يشتروا بدينار أو دينارين، ملعقتي دواء للحرارة، أو حبتي مضاد حيوي، ودموعهم تتسابق مع  أصواتهم المرتجفة خجلا وضعفا، إلى صيادلة المناوبات المسائية.
بالله عليكم على ماذا تعول مؤسسات الدولة، حين تتحرش بعياء الكبار، وسخونة جباه الأطفال، وحليب الرضع المبتسرين وأدوية علاجات الضغط والقلب والسكر لمن لا يملك مكانا للعلاجات الحكومية، أو لا يجدها أصلا! هل يظن  المبتكرون المنقذون أن التدخل في حياة الناس وبهذا الإصرار الناشف، يساوي في فلسفة الضريبة ما بين الأدوات الكهربائية وأدوية المرضى، بدون أن يكون هناك رد فعل عالي الوتيرة من قبل الشعب والمختصين والنقابيين والمعنيين بهذه "السلعة" كما يحلو للحكومة أن تتعامل معها.
فالقرارات غير الحكيمة طالت غذاء الناس ووجباتهم اليومية وحصتهم الصحية من العناصر الغذائية، لتلاحق فيما بعد مخرجات سوء التغذية مرضا وإعياء وضعفا.
أيعول الحكماء مثلا على التكافل الاجتماعي الذي كان وحتى وقت قريب، السبيل الأوحد تقريبا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من احتياجات الفقراء وأصحاب النفوس العفيفة؟ فلطالما كانت وما تزال هذه نافذة المجتمع المتماسك الطيب لمساعدة الآخرين، عبر صناديق التبرعات والحملات التطوعية الموسمية، كما هو الحال في الاعتماد على بعض البرامج الإذاعية، لمد يد العون والمساهمة في الحلول المؤقتة. إنما وبصراحة ومع هذا الفارق الكبير الذي سيشعر به كل إنسان في الوطن، غنيا كان أم فقيرا ، ولو نسبيا، فإنه وللأسف الشديد نشهد تراجعا ملحوظا بمستوى ومكانة هذه العادات الطيبة الجميلة، لأن أساسيات ومتطلبات الحياة الأولية، ستكون على حساب بند المساعدات والتكافل في ميزانية الفرد والأسرة.
كل شيء يتراءى للمسؤولين أنه مر بسلام بعد أن طاله الغلاء الفاحش، غذاء وملبسا وسكنا ومواصلات وتعليما، لن يكون بحجم حبة دواء تنقص من علبة محتاج لها بالضرورة، على اعتبار أن مستهلكي هذه المادة ليسوا مخيرين في شرائها، إلا إذا اعتقدت الحكومة أن الطب الشعبي، والذي ولله الحمد حتى اليوم لم تمسه عاصفة الضرائب، هو سبيل الفقراء للعيش بكرامة وصحة تامة!
الصحة يا سادة كانت تاجا على رؤوس الأصحاء، فلماذا تجعلونها بجرة قلم غير مسؤولة، عبئا ثقيلا ينهك الرؤوس والأكتاف والظهور؟ حرام!