إلغاء الحبس الاحتياطي في قضايا حرية التعبير

في سابقة قانونية فريدة من نوعها على مستوى الوطن العربي، تم إقرار القانون المعدل لقانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي رقم 17 لسنة 1960م خلال شهر نيسان من عام 2021م، والمتضمن إضافة بند للمادة (69) منه تنص على عدم سريان أحكام الحبس الاحتياطي على من يمارس حقه في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو الرسم أو غير ذلك، بما في ذلك أن يكون التعبير عن الرأي عن طريق وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي.اضافة اعلان
هذا التطور التشريعي في دولة الكويت الشقيقة على المصفوفة التشريعية المتعلقة بحرية التعبير عن الرأي، خطوة ستمنح هذه الحرية مساحة اوسع وسقفًا أعلى، والأهم من هذا وذاك ستؤدي إلى الحدّ من عملية الرقابة الذاتية لدى الأفراد بشكل عام والصحفيين والاعلاميين بشكل خاص، الرقابة الذاتية التي تتشكل في الذات الإنسانية عبر تراكمات زمنية بسبب الخوف بشكل أساسي من حجز الحرية بسبب الإفصاح والتعبير عن الآراء والأفكار.
يتقاطع هذا النص بصورة ايجابية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وتحديدًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أكدّ في المادة التاسعة منّه أهمية ألا يكون الحبس الاحتياطي هو القاعدة العامة المتبعة بالنسبة إلى الذين ينتظرون المحاكمة. ناهيك عن أنّ المعايير الدولية لحقوق الإنسان الخاصة بحرية التعبير وتعليقات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المنبثقة عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أكدت ضرورة عدم اللجوء إلى التوقيف او الحبس الاحتياطي في القضايا المتعلقة بحرية التعبير، والتوجه نحو الاكتفاء بالتعويضات المدنية عمومًا في مثل هذه القضايا.
في السياق ذاته، ومن التجارب التشريعية التي أصّلت جذور الحق في حرية التعبير وصانته من أيّ محاولات عبث بجوهره مستقبلًا، ماجاء في التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة الأمريكية والذي نص على ألا يصدر الكونغرس أيّ قانون خاص يحد من حرية التعبير أو الصحافة أو من حق الأفراد في الاجتماع سلميا وفي مطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف، علمًا بأن هذا التعديل تمّ اعتماده منذ عام 1791م.
هذه التجارب التشريعية المقارنة ما هي إلا دلالة واضحة على أن الطريق نحو حرية تعبير تشكل مكونًا أساسيا من مكونات الدولة الديمقراطية يتمثل في منظومة تشريعية وطنيّة تنطلق من ضمانات دستورية تضع الأطر العامة لحرية التعبير وضمانات تحول دون وضع قيود مباشرة أو غير مباشرة عليها وتمنع في الوقت ذاته المساس بجوهر الحق ومضمونه، وتؤدي إلى تجذير مبدأ المساءلة والمحاسبة من خلال ممارسة الأفراد حقهم في الرقابة بالوسائل كافة، ومن خلال توسيع نطاق الحرية التي تؤسس لصحافة وإعلام يضطلع بدور الرقيب على أعمال السلطات، والقادر بأدواته المختلفة على التطرق إلى القضايا ذات الشأن العام على اختلافها والإيفاء بحق الأفراد في معرفة الحقيقة.