إلى آبائهم وأمهاتهم..

إياكم أن تمر على خواطركم لحظة ندم أو تأنيب لما آل إليه مصير الأطفال! نحن أهال اعتدنا أن نرضخ "لزن" الصغار واستعطافهم لنا بشتى الطرق الممكنة من أجل تحقيق مهمات صغيرة، لا تخلو أحيانا من احتمالات الخطر. إنه القضاء الذي يسبق التردد والخوف واللوم، لا يلتف أبدا ولم يعتد أن يفعل عموما، إلا أن يتلطف مثلا، على مجريات القصة المكتوبة.اضافة اعلان
كل من يوجه أصابع اللوم أو الاتهام لكم، إنما ليريد أن يزيح النار عن قرصه ويشير إلى مواقع خلل من وجهة نظره، تشوش الرؤية وتعيق المجريات حتى يتسنى للمتهم الحقيقي أن يأخذ نفسا ويبدأ بحياكة تفاصيل المشهد بما ينسجم مع إقرار براءته.
كلنا هنا أمهات وآباء وأعمام وخالات وأجداد، جربنا كيف يكون مفهوم الحماية والحذر، والحيطة من شرور الدنيا لتنأى عن أطفالنا، فلذات أرواحنا وتيجان رؤوسنا، حتى يكبروا ويشقوا حياتهم بقراراتهم واختياراتهم. كلنا ندعو لهم ونستودعهم الله صباحا ومساء.
لكن يستحيل على أي منا أن يعمد إلى تقصير أو إهمال أو حتى "فرفطة روح"، من أجل أن نحظى براحة مؤقتة على حساب أمنهم وسلامتهم.
مزعجة إلى حد الاشمئزاز بعض التعليقات التي لامت على الأهل اتخاذهم قرار الموافقة على الرحلة، وهم في مصابهم الجلل الكبير. يمكن أن يصح ذلك ولو على سبيل التنبيه لو أن أبناءهم وبناتهم لم يلحقهم مكروه. لكن أن نضيف على أوجاعهم وحسرتهم لوعة الملام، فهذا أمر مناف للإنسانية والكرامة.
هل لو عاد الصغار من رحلتهم المشؤومة تلك وهم بخير وعافية، كنا سنسمع خبرا أو نقرأ تعليقا أو نشاهد صورة، تحمد الله على مرور الرحلة بسلام، وتطالب كلها بالتحقيق في الموافقة والسير على درب الخطر؟ بالطبع لا! فنحن وللأسف الشديد خبراء في قراءة النتائج بعد حدوث الكارثة، وكسالى جدا في تلمس الأسباب قبل وقوعها.
وهذا ما حدث بالضبط في فاجعة البحر الميت، حين انبرى الجميع بلا استثناء، إلى تحديد هوية المتسببين في الكارثة، بناء على مجموعة مشاعر ومعلومات وتحليلات شخصية. إنما لم يفعل أحدنا أمرا يذكر قبل وقوع المصيبة أو أثناءها، فيما حافلة الرحلة المشؤومة تستقبل الصغار المتحمسين للخروج من القاعات الصفية إلى أي مكان، وتسير على طريق ضيق متعرج مخيف يخلو من الشواخص التحذيرية، وأثناءها تتحرك مساحات زجاجها الكبيرة بسرعة، لتزيح أمطار الشتاء المتوقعة، وتتمكن من التغول إلى نقطة أعمق في الوادي، بعد أن مرت من أمام الدوريات والحواجز على الطريق.
لم يفعل أحد شيئا، إلا بعد فوات الأوان، ثم إن مخرجات هذا الفعل لم ترق حتى اليوم إلى حجم الكارثة؛ اتهامات متبادلة، تشكيكات في روايات مجتزأة، تعديات على خصوصيات الناس، عناد في من يعتذر أولا، أو من يعتذر أصلا. لا شيء مما سبق له علاقة مباشرة بحلول. فما بالكم بمن يترك تلك التفاهات الصغيرة، ليثري هوايته في ممارسة التفاهة الكبيرة؛ إلقاء اللوم على من لا يملكون وقتا أو جهدا أو حافزا، للاستمتاع بحق الرد!