إلى أين تأخذونا؟

 قرار نقابة الفنانين الأردنيين بفصل الفنانة الأردنية أسماء مصطفى على خلفية منشور على شبكة الفيسبوك لا يجب أن يمر بدون توقف عميق وطرح السؤال الكبير؛ إلى أين تأخذونا؟ اضافة اعلان
ظاهرة التخويف وردود الفعل القاسية تكرس التطرف وتغرسه عميقا، وأقسى ما يكون ذلك حينما ينتقل الأمر من الأفراد والنشطاء إلى المؤسسات التي يفترض أن تكون هي الحارسة الحقيقية على حق الناس في التعبير والاختلاف وقبل كل ذلك الحق في الحياة.
فالتحولات القاسية والأحداث المتسارعة وغير المتوقعة تجعل المجتمعات أكثر حساسية وانفعالا وترقبا، ولديها قابلية عالية للتعبئة والتحشيد، وقد تنسحب هذه الحساسيات على التضييق على الحريات العامة وعلى إعادة تفسير الأحداث وخطابات الآخرين، وحتى إعادة تفسير الماضي من جديد ومن زاوية هذه الحساسيات ذاتها، وأقسى ما تكون هذه الحساسيات حينما تضيّق المجال العام للنقاش وتملأه بالخوف والحذر من سوء التفسير أو تحميله ما لا يحتمل أو حينما تدفع إلى خلق ردود فعل أو رأي عام قد يدفع إلى تدخل رسمي.
 يحدث هذا في الأردن، بفعل عوامل داخلية وأخرى خارجية حيث تعد البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية مواتية لازدهار الحساسيات الثقافية والسياسية حيث تبرز أحيانا على شكل ردود فعل قاسية على تعبيرات ثقافية، أو أحكام حاسمة حيال مواقف لها علاقة بفهم الأديان والمعتقدات، كنا نقول إلى وقت قريب ما دام الناس في بلادنا يتحاورون بالكلمات يبقى ما يحدث يعكس ظاهرة صحية إلى أن وقعت جريمة اغتيال الكاتب ناهض حتر على خلفية إعادة نشر على شبكة الإعلام الاجتماعي، فعلينا العودة وحسابها من جديد.
 ظاهرة الحساسيات القاتلة لها جذورها في البنية الاجتماعية والثقافية القريبة أكثر من الماضي البعيد، فلقد كان الفاعلون والمؤثرون في الحياة العامة العربية والإسلامية على مدى قرون طويلة أكثر تسامحا وفهما لما يجري في بيئتهم مما يجري اليوم. إن مشهدا واحدا من ما تبلغنا عنه الأخبار الطويلة في كتب التراث ليوم في بغداد في القرن الثالث الهجري سوف يحرجنا ويضعنا في زاوية قلقة؛ إلى أين وصلنا، حينما نعلم كم كان أولئك الكبار من فقهاء ورجال فلسفة وعلم الكلام ومن فنانين وشعراء وأخباريين وتراجمة يملكون من ذائقة حضارية تستوعب جميع الآراء وتحترم الاختلاف؛ ولو ذهب المرء إلى مشهد آخر من يوم في قرطبة أو غرناطة من القرن الخامس أو السادس الهجري فكلمة السر الحقيقية التي حافظت على المشروع العربي الإسلامي في تلك البلاد على مدى ثمانية قرون هي القدرة على استيعاب الجميع والتسامح وصيانة الحق في الاختلاف، وحينما تسلل لهم التعصب ضاع الملك وتفسخت الحضارة وزالت.
في مرحلة الانتقال والتحولات الاجتماعية تسود ثقافة مجتمعية توصف بثقافة العبور وهي ثقافة توصف بالحذر، والشك، والحساسية المفرطة. فأثناء مرحلة العبور تشهد المجتمعات فجوة اللااستقرار التي يعبّر عنها بسلسلة من الأزمات ذات العمق الثقافي. ماذا نعني بذلك؟ كيف يفسر الأفراد والجماعات الظواهر الجديدة؟ ما هي مصادر معلوماتهم الموثوقة؟ وكيف يصنعون الثقة والشك؟ وكيف يتحول الدين إلى غطاء شرعي في المعارك السياسية وفي تصفية الحسابات وحتى في النقمة الشخصية.
علينا فتح حوارات مسؤولة عما يجري، عن تطوير آليات للتعامل مع قضايا حرية التعبير على شبكة الانترنت، تحافظ على هوية الناس الثقافية والدينية وتحمي المجتمع من هيمنة أفراد أو جماعات أو مؤسسات تفسر الأحداث والخطابات كما تشاء وتقرّب وتقصي كما تريد. نحتاج إلى مرجعيات ثقافية حقيقية تقول للناس أين الخطأ ولماذا، نحتاج إلى آليات للاعتذار واحترام من يعتذر ويتراجع وتحمي أيضا حق الناس في النسيان.