إلى أين خرج الفلسطينيون من بيروت..؟!

علاء الدين أبو زينة ما أسرع الزمن، وما أطوله! أربعون عاماً مرت الآن على خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت وكأن ذلك حدث بالأمس. لكن هذه العقود الأربعة كانت طويلة على الفلسطينيين الذين قُدر لهم أن يولدوا ويكبروا– إذا استطاعوا إلى الحياة سبيلاً- تحت الاحتلال أو في المنافي، أو في الأسر أو تحت الحصار. ثمة الذين ولدوا ويصلون نهايات أعمارهم من دون أن ينشدوا النشيد الوطني تحت سماء الوطن، أو تمس أقدامهم شبراً منه ولو لحظة واحدة. ولا يبدو ثمة ضوء في الأفق. في الثلاثين من آب (أغسطس) في مثل هذه الأيام من العام 1982، خرج ياسر عرفات مع مقاتليه من بيروت عن طريق البحر، على متن الباخرة «أتلانتيس» التي ترفع العلم اليوناني. وكان ذلك الحدث إيذاناً ببدء فصل جديد غير جميل من القصة الفلسطينية. كان ذلك الخروج تحت رصاص الكيان الصهيوني الذي اجتاح لبنان في ذلك العام يعني ابتعاد المقاومة الفلسطينية المسلحة كثيراً عن محيط فلسطين. وكان أول الأثمان الباهظة هو مئات، وربما آلاف الأرواح التي فُقدت في مذبحة صبرا وشاتيلا بعد وقت قصير من خروج المقاتلين الفلسطينيين. كما فرض ذلك الخروج على المقاومة التفكير في بدائل، ليقودها الاجتهاد غير المحسوب أبداً إلى تسليم نفسها –والقضية- أسيرتين للعدو في الوطن المحتل. عنت «أوسلو» ذلك بالضبط. الآن، لا يستطيع حتى طائر فلسطيني أن يتحرك من دون إذن سلطات الاحتلال –وخاصة الذين جلبتهم أوسلو إلى الضفة والقطاع المحتلين. وإذا كان ثمة شيء، فهو استعمال البنادق والمعدات التي تعطيها أميركا للسلطة لحماية أمن العدو، وقمع الاحتجاجات الفلسطينية وإحباط محاولات المؤمنين بالمقاومة الاشتباك معه. وإذا أرادت سلطات الاحتلال أن تعتقل أحداً فإنها تعتقله من تحت أنف «السلطة» في الضفة. وإذا أرادت اغتيال أحد، فإنها لم تعد تحتاج إلى المغامرة بعملية مخابراتية من النوع الذي نفذته ضد قادة المقاومة في بيروت أو تونس أو أوروبا. إنها تحتاج فقط إلى مداهمة بالعربات، أو صاروخ تطلقه مروحية أو مسيرة وتنهي في خمس دقائق. وقد أظهر كيان الاحتلال هذه المكاسب من أسر المقاومة وقادتها حين حاصر عرفات نفسه في «المقاطعة»، ثم اغتياله بعد ذلك –إذا صحت الرواية. وهو يستطيع في أي وقت اعتقال رئيس «السلطة»، أو اغتياله، أو وضعه تحت الإقامة الجبرية، أو تجريد الشرطة الفلسطينية من سلاحها أو قتل رجالها بلا عناء. كتب مقاتل سابق في لبنان، اسمه أحمد عمر، في مدونته الشخصية في آب (أغسطس) 2014 (أعاد نشرها موقع «حبر» في نفس الشهر): «كان من شأن التركيز على بناء «مؤسسات» و»تجييش» قوات الثورة خارج فلسطين، والتخلي عمليا عن كل مقولات وأطروحات حرب العصابات وحرب الشعب، هو التخلي عمليا عن الشعب الفلسطيني في الداخل؛ عن بناء أسس ومؤسسات المقاومة في الداخل، عن مواصلة العمليات ضد اسرائيل، فانخفض منسوبها ووصلت إلى صفر في سنوات كثيرة. «لم يكن بإمكان الثورة والحال هذه التركيز على الأرض المحتلة وعلى العمل في الداخل وهي تخوض حروباً دامية (في الخارج)، انجرّت لها أو تم جرها لها، ولم تتوقف للحظة لمراجعتها أو الانسحاب منها ولاحقا نقدها». (انتهى الاقتباس) كان بوسع هاوٍ في الثورة –إذا صح التقدير- أن يعرف كيف تتحرر الشعوب الخاضعة للاستعمارات. إنها لا يمكن أن تنشئ جيوشاً في الخارج على أراضي الغير وتقوم بعملية غزو. ربما تنشئ نواة وقيادة تخطط في الخارج لكيفية الانتقال إلى الداخل والعمل من على أرض الوطن التي تتحمل أبناءها، (كما فعل فيدل كاسترو ورفاقه). هكذا هي حرب العصابات القائمة على الهجمات والأعمال التخريبية الصغيرة والمتواصلة على طريقة «اضرب واهرب» قبل توفير الإمكانية لإشراك الشعب كله في القتال على أرضه. للأسف، لا أحد من قيادات الخراب الفلسطينية يراجع بإخلاص خبرة المقاومة الوطنية الفلسطينية، ناهيك عن خبرة المقاومات التحررية في كل العالم، ليسترجع الأساسيات. حتى الكيان الصهيوني قام، لتنفيذ مشروعه الاستعماري-الاستيطاني، بجلب الناس وخوض الحرب على الأرض التي يريد أخذها نفسها. هذه بديهية. كان بالوسع ضرب فكرة العدو من جلب المقاومة لتصبح تحت عينه وتوظيفها في مؤسسات لحسابه وإسكان قادتها في قصور. كان بالوسع نشر الذي عركتهم المعارك وذوبانهم في المجموع وتكوين خلايا حرب عصابات والعمل على الحرب الشعبية في فلسطين. كان ينبغي أن ينزل القادة تحت الأرض وأن يرتدوا الخاكي وأن لا يعرف أحد ماذا يفعلون. لكن مثل ذلك يحتاج الآن، أولاً، الثورة على نائب الاحتلال المحلي، والانطلاق من هناك. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان