إلى الخلف در!

ليست المشكلة في النساء فقط، فالرجال ليسوا أفضل حالا أيضا، لأن لديهم الداء ذاته، وإن كان بمستويات أقل، فكلاهما يعاني من الكسل الاقتصادي، وتراجع حجم المشاركة في النشاط الاقتصادي.اضافة اعلان
بالأرقام؛ تقول دائرة الإحصاءات العامة، استنادا لمسح قوة العمل، إن معدل النشاط الاقتصادي المنقح للسكان الأردنيين ممن أعمارهم 15 سنة فأكثر تراجع، إذ بلغ في العام 2016 نحو 36 %، مقارنة مع 39.8 % في 2007.
ماذا يعني ذلك؟
بصراحة الرقم يكشف عيوبنا، ويقول لنا ما لا نحب أن نفكر به أو نسمعه، فكلنا؛ نساء ورجالا أردنيين، لم تسهم شريحة كبيرة منا بعد ببناء اقتصاد بلدنا، وثلثا قدرتنا الاقتصادية معطلة، ما يعني، في الجانب الآخر، حجم الطاقات الخاملة لكلا الجنسين في مجتمعنا، مع اختلاف حدة المشكلة لدى كل منهما.
 ترى اين توجه تلك الطاقات ومن يستغلها؟ وهل المشكلة في المجتمع أم في من يخطط للاقتصاد؟
أظن المسؤولية مشتركة، فمن ناحية لم يسعَ المخطط لرسم هوية جديدة للاقتصاد بعيدا عن الاقتصاد الريعي، كما لم يحضّر المجتمع للتحولات الواجب حصولها للانتقال إلى حالة مختلفة من الإنتاجية والعمل، كما أن ثمة أسبابا عديدة ترتبط بشكل موضوعي بتركيبة المجتمع وهويته وعقليته التي ما تزال تحلم بالوظيفة العامة.
تخبرنا الإحصاءات مدى تراجع المشاركة الاقتصادية للرجال، وكأنها تصرخ فينا وتقول لنا "أنتم إلى الخلف در"، أما بالنسبة للمرأة فالحال كارثي، ومن سيئ إلى أسوأ، فمشاركتها الاقتصادية لا تبلغ 13 %، ويعتبر هذا المعدل مخجلا إذا ما قورن بالذكور أو بالمعدل الإجمالي.
أكثر من هذا، علينا، نحن النساء، أن نثور على حالتنا الاقتصادية، وأن نعلن العصيان حينما ندرك أن ترتيب الأردن في تقرير التنافسية العالمي بمؤشر مشاركة المرأة الاقتصادي كان الأخير من بين (139) دولة!
التفسيرات لانخفاض مشاركة النساء كثيرة ومعروفة، منها التشريعي والفكري، ومنها الاجتماعي، وبسببها تتركز الغالبية الساحقة من النساء العاملات في الأردن (95 %)، في أربعة قطاعات اقتصادية من أصل (13)، وهذه القطاعات تتمثل في الإدارة العامة والتعليم والصحة والعمل الاجتماعي.
ساق النتائج السابقة البناء المشوه للاقتصاد الذي ما يزال يعتمد بدرجة كبيرة على تشغيل الناس في القطاع العام؛ العسكري والمدني، خصوصا أن التركيبة الحالية، لا تركز مطلقا على حجم الإنتاجية للفرد مقارنة بقدراته.
أما محدودية حجم القطاع الخاص فليس بريئا من التهمة، إذ ما يزال عاجزا عن احتلال المساحة الرمادية التي يملأها القطاع العام. كما أن الخليط المشوه لمخرجات التعليم العالي أيضا متهم، خصوصا أننا فقدنا تنافسيتنا في الإقليم، وفقدنا بذلك جزءا كبيرا من القيمة المضافة التي كان هذا الجانب يوفرها.
أما أن نصف قوى الرجال الاقتصادية معطلة، فتلك قصة أخرى ترتبط بشكل مباشر بعزوف الذكور عن العمل في قطاعات بعينها، وأيضا محدودية قاعدة الاقتصاد التي تشغل الرجال والنساء على حد سواء، ما يتطلب رؤية اقتصادية تراجع بنية الاقتصاد وهيكليته بحيث تتسع القاعدة المشغلة للأردنيين.
المشكلة الأهم أن استمرار معدل النشاط الاقتصادي عند هذه الحدود في مجتمع فتي، أكثر من ثلثي سكانه شباب، يعني أمرا واحدا؛ أننا نهدر طاقات المجتمع والشباب، وتتعمق أكثر فكرة ضياع "الفرصة السكانية" التي نتغنى بها.