إلى ما بعد كورونا!

واحدة من المفارقات التي سجلناها على مدار عقود، تكمن في تأجيل جميع مشاريعنا؛ الصغيرة والكبيرة، إلى ما بعد العيد. حتى ترتيب لقاءات عادية جدا، أو زيارات عائلية كنا نرهنها إلى بعد رمضان أو العيد، مثلا.اضافة اعلان
يبدو أن العادة تأصلت فينا تماما، فها نحن نرهن حياة كاملة، ونرفض أن نسير خطوة واحدة فيها قبل انتهاء جائحة كورونا. تعليق جميع الأعمال المطلوبة أو القرارات المهمة إلى ما بعد انتهاء الجائحة هو تعبير صريح عن الفشل، والعجز عن تبني خطط مرحلية نكون قادرين من خلالها على أن نضع لبنات تأسيسية لملامح ترميم على كثير من الملفات المحورية.
لا أتحدث هنا عن منظورات شخصية أو أهداف فردية، بل عن ملفات مطروحة بقوة على الدولة، وفي الفضاء العام، وعلى رأسها التعليم الذي ينخر فيه الخراب منذ عقود، وزادت الجائحة من خرابه ومن غياب الشمولية والعدالة عنه.
منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي بدأت جودة التعليم الأردني بالانحدار السربع، من غير أن يمتلك “الحواة” وصفات مناسبة لوقف هذا الانحدار الذي أدى لتدني تصنيف الخريج الأردني في أسواق العمل المجاورة التي كانت على الدوام تسهم في تشغيل نسبة لا بأس بها من أبنائنا.
خلافا لواجبها في فحص أسباب تراجع وضعف المنظومة التعليمية، توسعت الدولة في التخفف من التزامها تجاه التعليم وشموليته وإلزاميته ومجانيته، وذلك من خلال التوسع بمنح التراخيص لمؤسسات التعليم الخاصة، حتى أن كثيرا منها لم يكن يمتلك البنية التحتية اللازمة التي تشترطها التراخيص، ما أفرز واقعا مشوها وضع الحكومات المتعاقبة أمام تحديات تصنيف تلك المؤسسات إلى درجات مختلفة، بلغت ثلاثا على الأقل في التعليم المدرسي، بينما يمكن لنا أن نتعرف على تصنيف المؤسسات الجامعية من خلال الأرقام التصنيفية التي تحتلها، محليا وعربيا وعالميا!
إلى ما قبل الجائحة، كانت المؤشرات تدل على ضرورة إحداث ثورة حقيقية في المنظومة التعليمية، وبكل ما يتصل بها من عناصر، خصوصا بعد حراك مجتمعي كبير، ومن قبل خبراء ومهتمين بالتعليم. لكن، ومع دخول الوباء وفرض التعليم عن بعد، تبدو الدولة وقد استكانت إلى الأمر الواقع، وغضت الطرف عن النية لإحداث أي اختراق حقيقي في المنظومة، وتفتيت الخراب الذي تراكم عبر عقود.
في كل مرة يتم الإعلان فيها عن تطوير ما في أحد عناصر تلك المنظومة، يتفاجأ المهتمون بأن “ترقيعا” يتم لصقه عنوة، وبلا منهجية واضحة، إلى منظومة مترهلة في الأصل، وتحتاج إلى منظور شمولي للتعامل معها، لا عن طريق “القطعة”.
هذا الأمر بالذات، أدى إلى تشكك الكثيرين بالحلول التي تقترحها المؤسسة الرسمية، خصوصا أن تلك الحلول كانت تبدو دائما كما لو أنها هابطة بالبراشوت، وليست نابعة من الحاجة المحلية الملحة، أي لم تكن تراعي ملامح الضعف، ولا خريطة الطريق التي سنسلكها خلال عقد أو أكثر.
اليوم، يبدو الوضع أكثر تعقيدا، فأبناؤنا يتلقون تعليما عن بعد بالحد الأدنى، وما كان ضعفا في السابق، تحول إلى خراب كبير بواسطة فاقد تعليمي لا ندري حجمه الحقيقي. وإذا ما سألنا: متى سنبدأ الترميم؟ سيكون الجواب، وبكل سهولة: حين تنتهي الجائحة!!