إلى متى مجازر الطرق في الأردن..؟!

يندر أن يمر يوم هنا بلا خبر عن مقتل أحد بحوادث السير. أقول "مقتل"، لأن أغلب هذه الوفيات لها سمات القتل –أو الانتحار- المتعمد: الطرق القاتلة، أو استهتار مواطنين بالأرواح وبكل أنواع القواعد والقوانين. ولا يدعو إلى الفخر حتماً أن يحتل الأردن ذات مرة المرتبة الرابعة عالمياً في حوادث السير ووفياتها! وفي رقم حديث في شهر آب (أغسطس)، قبل انتهاء هذا العام بأربعة أشهر، كانت حصيلة قتلى حوادث السير في الأردن 388، وبحسبة المعدل، سيدور الرقم السنوي حول 450 وفاة.اضافة اعلان
هل حقاً استعصت الحلول؟ الأغلب أن هناك عدم جدية رسمية وشعبية إزاء تخفيف ألم هذه الظاهرة، وكأنما يجب أن يصاب المرء في نفسه وأهله حتى يشعر بالمشكلة. لكن الكل، من المواطنين والمسؤولين، يشتكون، وكأن الذي يسبب الحوادث الكارثية عارض غيبي مُعجِز، أو غرباء قادمون من كوكب آخر.
هناك حلول مجربة وليست مستحيلة، وكلها رهن بالقرار الرسمي. ويمكن تطبيقها بخطة محكمة حازمة بآليات نجاة من النافذين تطالهم المخالفات والعقوبات، فيضغطون لإضعاف القانون وخراب البيوت:
أولاً: كل الدول تفرض حل المشكلة –أياً كان نوع مواطنيها- بفرض عقوبات رادعة على مخالفات السير، حسب الخطورة. فبالإضافة إلى الغرامات المالية الكبيرة، يتم احتساب النقاط على المخالفات، وسحب الرخص وفرض دورات على مكرريها، بل وحتى احتجاز المخالفين الخطرين و/أو مركباتهم. وقد جربوا شيئاً من ذلك هنا وتراجعوا عنه. فإذا كان دافع التراجع الشفقة على الناس، فإنه ليس كذلك، لأن الرحمة بالمواطن تعني حفظ حياته وحمايته من نزق المستهترين. وإذا كان ذلك استجابة لضغوط نافذين، فالمصيبة كبيرة.
ثانياً: وسعوا استخدام كاميرات مراقبة السير لتغطي كل كيلومتر من طرق البلد إذا أمكن. ويحسُن أن يكون جزاء المخالف سريعاً، كأن يتم إيقافه فوراً بعد مخالفته، أو مهاتفته وإبلاغه بضبط مخالفته أو استدعاؤه إلى مركز الشرطة. وكثيراً ما نلاحظ مستهتراً على الطريق، يطير كيلومترات طويلة ليسبب حادثاً بعد قليل. ولو ضبطته دورية بعد كيلومتر أو اثنين، لتم استباق الحادث. وليست مخالفات السير المحقة "جباية" لأنها ضريبة اختيارية ورهن برغبة المخالفة.
ثالثاً: يجب أن تفي الجهات المعنية أولاً بحصتها الحتمية من المسؤولية. يجب تحسين سوية الشوارع وأدائها وصلاحيتها للاستخدام البشري. ويجب ضبط كودات البناء وآليات الرقابة بحيث تضمن إنشاء الكراجات للمباني. ويجب متابعة متعهدي الإسكان الغشاشين الكثر، الذين يقوم معظمهم –بعد الكشف- بتحويل مرآب المبنى إلى شقق تسوية، ويلقي بسيارات السكان إلى الطريق. يجب إلزام هؤلاء بالهدم في كل وقت، أو تغريمهم مبالغ أكبر من ثمن الشقق المضافة غير المشروعة.
رابعاً: سبق السيف العذل في مسألة عدم تخصيص مساحات اصطفاف مناسبة أمام المباني التجارية، بسبب الطمع وسوء التخطيط. لكن من الممكن المسارعة إلى استغلال المساحات التي ما تزال فارغة وتحويلها إلى كراجات، باستملاكها أو تشجيع مالكيها على استثمارها بدخل مجزٍ وبشكل حضاري ومشروط بمواصفات.
خامساً: يجب توفير نقل عامّ آمن ومحترم. ويعني ذلك دمج ملكية الحافلات في شركات كبيرة مسؤولة، تستخدم حافلاتها مسارب واضحة لا يمكن تجاوزها على يمين الطريق، والتي تصل محطات التوقف في أوقات معلومة. وسيعني ذلك التخلص من تسابق سواقي الحافلات وبلطجتهم لخطف الركاب على حساب أمن الناس، كما يحدث الآن. كما سيعني –وهو الأهم- عدم ضرورة شراء واستخدام السيارات الخاصة بكثافة، إذا توفرت وسائل نقل عام لائقة توصل الناس إلى وجهاتهم بأجر مناسب، في الوقت المناسب.
سادساً: حمِّلوا المشاة ما يترتب عليهم من المسؤولية في بعض الحوادث. فليس من المفهوم محاسبة السائق وحده على دهس شخص قطع شارعاً عريضاً وسريعاً، تماماً من تحت جسر أو فوق نفق للمشاة! ويسبق ذلك توفير سبل عبور مناسبة ومتقاربة لتجنيب المشاة الملتزمين مغامرة عبور الشوارع المرعبة.
سابعاً: في حال النجاح في فرض القانون وإلزام الناس بتطبيقه دون تمييز، يجب أن تتولى شركات التأمين، بناء على الرسم الكروكي وتقارير الشرطة، متابعة عواقب الحوادث المادية والتعويضات، بينما تتولى جهات إنفاذ القانون معاقبة المخطئ، بلا تدخل الجاهات حيث يضيع دم الضحايا بفنجان قهوة، ويفلت قتلة حقيقيون ومستهترون. هل ذلك مستحيل حقاً؟