إلى متى يا قاتل شعبه؟

بين حي الرمل (اللاذقاني) الذي تقوم القوات الباسلة المسلحة السورية "بتطهيره من العصابات والمندسين"، وغزة المذبوحة، أوجه تشابه كبيرة ونقطة اختلاف واحدة. فمن أوجه التشابه الموجودة بين المنطقتين ذلك الحشد السكاني الكبير، والذي تزيد فيه كثافة السكان عن أي بقعة أخرى على وجه الأرض، والوقوع على ضفة البحر المتوسط الشرقية، بما فيها من عوامل جوية معروفة بقساوتها شتاءً ورطوبتها صيفاً. كذلك، فإن سكان كلتا المنطقتين فلسطينيون، وهم يعانون الأمرّين في تأمين معاشهم، وذلك لوقوع غزة تحت الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 5 سنوات، ووقوع حي الرمل في منطقة اكتشف العالم أنها محسوبة على نظام يستعين بشبيحته. أما وجه الخلاف الوحيد بين المنطقتين، فهو أن حي الرمل تقوم بتدميره قوات عربية سورية واحدة ذات رسالة خالدة، فيما قطاع غزة تقوم بذبحه قوات احتلالية غازية غاشمة ذات رسالة قاتلة.اضافة اعلان
عندما بدأت قوات حلف الأطلسي بتهديد القذافي بضربه جوياً، قال لهم: ما شأنكم معنا؟ هل رأيتمونا نتدخل بشؤونكم؟ هكذا يفكر المجانين، حتى وصل الأمر بليبيا إلى تدمير شبه تام، تحتاج معه إلى كل شركات العالم لإعادة إعمار وإصلاح ما خربته يد الـ"معمّر". وعندما ازدادت الضغوط على الرئيس اليمني لحل أزمة الحكم في اليمن "التعيس بحاكمه"، خضع صالح للمبادرة الخليجية بكل مكر، وقال: أوقّع عليها، ثم نكص على عقبيه لحظة حضور الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي لتوقيع المبادرة، وانتهى الأمر بصالح إلى مستشفى في الرياض على ما رأيتموه من "سواد الوجه"، وربما سيلحق بأخيه في الجنون فيما بعد، حيث قال منذ يومين للمعارضة إن الفيصل بينه وبينهم صناديق الانتخابات.
المعطيات في سورية مختلفة تماماً، فلا الأسد وافق على مبادرات الأتراك واقتراحات الإسبان ونصائح العرب و"ضحك" عليهم أثناء التوقيع، ولا هو بالذي رفض التدخل الخارجي دبلوماسياً، بل كانت عنقه مشرئبة إلى أكثر من ذلك، حيث قام وزير خارجيته وليد المعلم بمسح أوروبا عن الخريطة، واتهم دول مجلس التعاون الخليجي بالانضمام إلى المؤامرة التي تحاك ضد سورية وشعبها، وأوجد لنفسه منفذاً بالتوجه شرقاً، وكأنه في الأساس لم يعرف أبداً الوجهة الإيرانية أبداً، وأنه لأول مرة سيبحث عن حلفاء جدد في الجهة الشرقية، وهو الذي قبض في يده اليسرى 6 مليارات دولار دعماً من إيران وسلمها بيده اليمنى لوزير الدفاع "المنتحر بـ3 طلقات في الرأس!"، ليحولها إلى رصاص وقذائف وقنابل يقتل بها الشعب السوري الأعزل جواً وبحراً وبراً.نحن لأول مرة نسمع أن دولة تقوم فيها "عصابات وجماعات إرهابية مندسة" بالتخريب، فتواجهها الدولة ببوارجها البحرية وأسطولها الذي يفترض أنه مجهز للمعركة المصيرية مع العدو الصهيوني، فكيف لهذه البوارج أن تنال من الجماعات الإرهابية فقط في حي كحي الرمل، الذي توصف شوارعه بأنها لا تتسع حتى لسيارتين تلتقيان وجهاً لوجه، وذلك من دون تدمير البيوت على أصحابها -إن ظلوا فيها قبل التهجير طبعاً- ثم يخرج علينا التلفزيون الرسمي السوري ليقول عبارته التي أصبحت تسبب المغص في البطن والنفخة في القولون: "الأهالي يطلبون من الجيش حمايتهم من الجماعات المسلحة بقصف مناطق تواجدها بينهم"!
قصف المآذن أصبح شيئاً مألوفاً في سورية، وعندنا نحن المتابعين عبر الشاشات. ومناظر الرؤوس المتشظية بطلقات مدفعية متوسطة صارت شيئاً معتاداً، وأعداد القتلى -التي تذاع عبر قنوات "الفتنة" على حد زعم النظام السوري- في ازدياد مستمر، وداوود أوغلو ورئيسه "الأسطوري" أردوغان ما يزالان يعطيان آلة القتل السورية فرصاً وأياماً أخرى لتنفيذ الإصلاحات الموعودة. وعبارة "الأسد فقد شرعيته" فقدت بريقها بعدما كررها أوباما ووزيرة خارجيته كلينتون في كل محفل، وصبر ساركوزي نفد منذ مدة ولكن ليس "له حدود" بعد نفاده حتى الآن، وسفراء كثير من الدول جهزوا حقائبهم ولم يحجزوا على طائرة المغادرة إلى بلادهم بعد.. فمتى سيكون كل ذلك واقعاً؟ هل بعد أن يصدّقوا الإحصاءات الواردة من دمشق بأن أعداد القتلى 3 آلاف، والمفقودين 4 آلاف، والمعتقلين 18 ألفاً، والمهجرين خارج سورية 25 ألفاً، والجرحى 30 ألفاً، والمطلوبين لأجهزة الأمن 70 ألفاً، والمهجرين داخل سورية مليونان؟ إننا ننتظر.