إلى متى يختطف ركاب مطار الملكة علياء الدولي؟!

يتسلل عشرات الشبّان يوميا إلى قاعة القادمين في مطار الملكة علياء الدولي، ليتخاطفوا قادمين؛ عارضين عليهم نقلهم بسياراتهم الخاصة، تحت نظر رجال الأمن، وسائقي "تكسي المطار"، وبما يضر بقوت هؤلاء السائقين اليومي، ويشكّل تحديا لهيبة الدولة، كما يضر بسلامة الركاب.اضافة اعلان
وإذا تجرأ أحد سائقي "تكسي المطار المعتمد"، بإدارة مؤسسة المتقاعدين العسكريين، على تقديم شكوى لمفرزة السير بحق من يسمون "حرامية المطار"، فإنه قد يعرّض نفسه أو مركبته للانتقام؛ بحسب شهادات عشرة من السائقين المعتمدين تصادف أن نقلوا كاتبة المقال خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
حتى رقيب السير، الذي حاول التصدي لأحد أفراد هذه المجاميع قبل أربعة أشهر، قضّى عدة أيام في المستشفى بعد أن تعرض للضرب المبرح على يد "فزّيعة"، هرعوا لنجدة "أبو شريك". كما تعرضت سيارات تكسي مطار للقذف بالحجارة أثناء سيرها في الليل في مناطق مكتظّة بالشجر على جنبات الطريق، فقط لأن بعض السائقين اشتكى على "صائدي" الركاب من خارج أسطول المطار.
ظاهرة التقاط الركاب بسيارات تحمل لوحات خصوصية، بدل السيارات المرخصة "للأجرة"، مخالفة يجرّمها قانون السير، وتمس سمعة الأردن كبلد سياحي متحضر، وتهدد أمن البلاد والعباد.
بدأت عمليات "قرصنة الركاب القادمين" بالانتشار في المبنى القديم قبل ثلاث سنوات، مع تفاقم الفقر والبطالة وموجات رفع الأسعار المتلاحقة. لكنها كانت تتم على استحياء؛ وغالبا في جنح الظلام، حين يخف تواجد "العيون الساهرة" على الأمن والنظام.
أما اليوم، فباتت "عينك عينك"، وعلى مدار الساعة، بعد الانتقال إلى مبنى المطار الجديد. وإذ تتعدد الأسباب، لكن أهمها –بخلاف الفقر وتفاقم البطالة- هو غياب شواخص إرشادية تؤشر لوجود خدمة "تكسي المطار" الرسمي (باستثناء شاخصة وحيدة صغيرة وأنيقة، لكنها لا تلفت النظر). المشكلة الأخرى هي طول المسافة التي يقطعها القادم من حاجز الخروج داخل مبنى الاستقبال قبل الوصول إلى الرصيف الرئيس خارج المبنى، حيث ينتظر سائقو التكسي المعتمد حسب الدور.
هؤلاء الشبان يملكون سيارات خاصة، أو "يتضمنونها" من أصدقائهم وأقربائهم، أو يستأجرون سيارات سياحية. وهم ينتشرون بين مئات المستقبلين وكأنهم في انتظار قريب أو حبيب غائب. يصطادون طريدتهم بعناية فائقة؛ ذلك أنهم يستهدفون زوّارا خليجيين، وسياحا أجانب، أو من يعتقدون أنه "غشيم" لا يعرف أنظمة النقل وحصرية سفريات مطار الملكة علياء الدولي. يعترضون طريق القادمين بأدب: "تكسي مدام"؟، أو "هلو.. تكسي بليز"؟ بعدها يأخذون الراكب إلى سياراتهم التي تصطف داخل "المواقف المؤقتة" على مرأى ومسمع سائقي 183 سيارة من ذات اللون "البيج"، ممن يحظر عليهم دخول مبنى القادمين.
يعملون ضمن "شبكات" أو "مجموعات"، ويتقاسمون الأدوار.
بعد صعود الركاب إلى السيارات الخاصة -غالبيتها كورية الصنع-  يشرحون لهم أن رقيب سير الذي يقف عند الدوار الرئيس باتجاه الشارع المؤدي إلى أوتوستراد المطار قد يوقف السيارة ليسأل عن هوية الركاب وعلاقتهم بالسائق، "فقولوا له إننا أصدقاء أو أقرباء". وبذلك يتهربون من الملاحقة القانونية لكل من يتقاضى أجرا مقابل نقل "ركاب أو أشياء" بسيارته الخاصة: مخالفة 100 دينار، وحجز المركبة لمدة أسبوع، وإيداع السائق في الحبس لحد أقصى أسبوعين.
فكيف لرقيب السير إثبات مخالفة نقل ركاب في سيارة خاصة، إذا قال له الراكب إن السائق زميله، أو صديقه، أو قريبه؟ الأصل تشديد الرقابة داخل مبنى القادمين. وقد يكون هناك تغاض عن هذه التجاوزات، حسبما لاحظ مسافرون.
"صيادو المطار" -وعددهم لا يقل عن 200 شخص بحسب تقديرات سائقي أسطول الأجرة المعتمد- يتحركون بـ"عين حمرا" دون الاكتراث للساعات الطويلة التي ينتظرها سائق التكسي المعتمد لتحميل ركاب، وبما يؤمن له دفع أقساط السيارة أو تسديد ضمانها. والمحظوظ من سائقي تكسي المطار من يستطيع نقل دفعتين، بالمقارنة مع "قراصنة" ركاب المطار الذين يقوم بعضهم بأربع رحلات في اليوم، لا سيما في فصل الصيف حيث تكثر حركة الزوار.
يستغلون جهل طرائدهم؛ بخاصة الأجانب والعرب، أو من لا يجد من ينتظره لحظة الوصول. وهم يطلبون منهم تعرفة خيالية، مثل 60 دينارا لقاء توصيلهم إلى الدوار الرابع، في مقابل 22 دينارا هي التعرفة المثبتة على لائحة أجور تكسي المطار، وعلى القسيمة الرسمية التي يأخذها الراكب لحظة صعوده التكسي المعتمد لنفس الوجهة.
ممارساتهم تترك فريستهم في حال غضب، بعد تكشف حجم المقلب والخديعة اللذين تعرضنا لهما.
جل هؤلاء الشبان من سكان المناطق المحيطة بالمطار. لكن انضمت إليهم أخيرا مجاميع جديدة من مناطق بعيدة عن العاصمة، مثل إربد، والزرقاء، والطفيلة. وبفعل التنافس بين أبناء المنطقة والمحافظات الأخرى، تندلع أحيانا مشاجرات لأن "فلان من المنطقة الفلانية حمّل أكثر من فلان".
وجوه الشباب معروفة لسائقي تكسي المطار، وأيضا لطواقم مفرزة سير أمن المطار، ولأفراد الشرطة العسكرية التي تشرف على حاجز الوقوف الإجباري لجميع من يريد دخول المطار؛ باستثناء رجال الأمن، والموظفين، والدبلوماسيين، والرسميين المصرح لهم بالدخول. كما أنهم معروفون للدوريات الراجلة التابعة للأمن الوقائي، وهي الجهة المناط بها التجوال داخل باحات المطار. حركاتهم مرصودة على كاميرات المراقبة الحديثة والمنتشرة بكثافة داخل مبنى المطار وخارجه، لرصد وتسجيل حركات كل من يدخل أو يخرج من المطار.
يرتدون قمصانا أو "تي شيرت" أحيانا، مع بنطلونات جينز، ويهتمون كثيرا بمظهرهم الخارجي.
المشكلة الثانية أن الشرطة العسكرية لا تستطيع منع أحد من دخول المطار عبر الحاجز بدون سبب مقنع. غالبية ضباط وأفراد مفرزة سير المطار باتوا يخشون من التعرض لهؤلاء الشباب، وبعضهم لا يتوقف إذا أومأ له شرطي بالتوقف. ويشتكي سائقو تكسيات المطار من تقصير محافظة منطقة زيزياء من حيث تطبيق القانون على كل سائق مخالف يتم إلقاء القبض عليه.
خلال الأشهر الماضية، قدم سائقون العديد من المذكرات الاحتجاجية من خلال مؤسسة المتقاعدين العسكريين إلى الشركة التي تدير المطار، والأمن العام، ومديريات البحث الجنائي والأمن والوقائي والسير، وغيرها من الجهات المسؤولة عن أمن المطار. لكن الحال لم تتغير.
حل مشكلة "قنّاصي ركاب المطار" بسيط جدا.
يبدأ بقيام شركة إدارة المطار الجديد والأنيق بوضع شاخصات كبيرة داخل مبنى القادمين تؤشر إلى مواقف تكسي وباصات المطار، حتى يعرف القادم العربي والأجبني أن هناك تكسيات وحافلات معتمدة وآمنة. وأيضا، تكثيف الدوريات الراجلة التابعة للأمن الوقائي داخل باحة مبنى القادمين، وتعزيز قوة مفرزة سير المطار داخله وعلى الطريق المؤدية إلى اوتوستراد المطار، وتطبيق القانون بحذافيره ضد كل من يلقى القبض عليه بتهمة نقل ركاب بسيارة خاصة لقاء أجر.
قبل أيّام، قررت السلطات الأمنية تقنين دخول السيارات الخاصة التابعة للسوريين، باستثناء الترانزيت، للحد من ظاهرة ما سمته "استخدام بعض الأشقاء السوريين في الأردن مركباتهم في مناطق الشمال (مدن إربد والمفرق وعجلون وجرش)" لنقل الركاب بشكل غير قانوني، ما بات يؤثر على مصالح الأردنيين، وبخاصة سائقي السيارات العمومية في هذه المدن.
قد يكون من المجدي التعامل مع المتطفلين في المطار كما يتم التعامل مع غيرهم من الخارجين على القانون في دولة المؤسسات، قبل أن تتحول منطقة الميناء الجوي إلى "بؤرة أمنية ساخنة" جديدة.

[email protected]