إنتاجية العامل الأردني وإدارة "الدكاكين"


احتلت قضية العمل والإنتاجية مساحة واسعة في مناقشات المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية بعد إعلان الحكومة تعطيل المؤسسات الخميس الماضي تحسبا لتعرض العاملين للمخاطر أثناء تنقلهم بسبب الثلوج والتجمد الذي كان متوقعا.اضافة اعلان
وليس سرا أن إنتاجية العاملين الأردنيين بمختلف مستوياتهم تعد منخفضة مقارنة مع المعدلات العالمية للإنتاجية، والتي يقصد بها "المخرجات الاقتصادية للعامل"، (كتعريف مبسط)، وهو مؤشر يعكس قدرة الدولة والمؤسسات على استثمار القوى البشرية لإنتاج أكبر قدر ممكن من المخرجات الاقتصادية.
وتظهر المؤشرات الإحصائية العالمية أن الأردن يحتل مرتبة متدنية عالميا وفق هذا المؤشر؛ إذ جاء ترتيبه في المرتبة 116 من أصل 123 دولة شملتها دراسة أعدتها مؤسسة "Conference Board" الأميركية في 2018.
وهو أيضا يحتل مكانة متوسطة بين الدول العربية المشمولة في الدراسة، وغالبية الدول العربية تتذيل قائمة دول العالم في مجال الإنتاجية ونموها.
وفي هذا السياق، فإن غالبية المناقشات والحوارات التي تمت وما تزال بين مختلف الأوساط ذات العلاقة، تستند الى فرضيات غير دقيقة، وتحمّل العاملين أنفسهم مسؤولية ضعف إنتاجيتهم، مع أن مختلف الدراسات العلمية المحكّمة التي جرت في هذا المجال عالميا ومحليا تعزو ضعف الإنتاجية الى أسباب مرتبطة بنظم التعليم والإدارة، على اعتبار أن إنتاجية القوى البشرية أحد مخرجات هذه النظم.
والغالبية للأسف تستسهل الوصول إلى استنتاجات تؤشر إلى أن العامل الأردني "كسول" ولا يريد العمل، ويقتنص الفرص للغياب والتعطيل عن العمل، لذلك كانت دعوات العديد من أصحاب الأعمال خلال الأيام القليلة الماضية وبمختلف مستوياتهم بعدم شمول العاملين في القطاع الخاص بالقرارات الحكومية المتعلقة بالتعطيل وتربط بشكل غير علمي بين ساعات العمل والإنتاجية، مهملة عوامل أخرى أكثر أهمية.
ووفق هذه الرؤية، نجدهم يعترضون على زيادة الإجازات السنوية والرسمية، لا بل يعتبرون أن الأردنيين يحصلون على إجازات سنوية ورسمية وإجازات نهاية أسبوع أكثر من غيرهم من العاملين في مختلف أنحاء العالم، وهذا غير صحيح، لأن العديد من الدول المتقدمة علينا في الإنتاجية يتمتع العاملون فيها بإجازات سنوية ورسمية وإجازات نهاية الأسبوع أكثر من الأردن.
كذلك، فإن عملية ربط الإنتاجية بعدد أيام العمل يجانب الحقيقة، فهنالك عوامل عديدة أخرى تؤثر على زيادة الإنتاجية أو تخفيضها، لعل أهمها يتمثل في فعالية وكفاءة النظم الإدارية المستخدمة في المؤسسات، من ناحية قيام الإدارات بتطوير خطط استراتيجية للمؤسسات، وخطط تنفيذية، ونظم رقابة، ونظم التقييم والمكافآت والحوافز.
وللأسف، فإن أعدادا غير قليلة من أصحاب الأعمال والإدارات العليا في مؤسسات الأعمال لدينا، ليس لديهم أدنى استعداد للاستثمار في تحسين نظم الإدارة والتدريب في مؤسساتهم، والتي تعد العامل الأساسي في تحسين الإنتاجية، ويمكن تشبيه الأساليب الإدارية التي يستخدمونها بإدارة "الدكاكين" التي تنظر بشكل أساسي الى الربح السريع آخر النهار، أو آخر الشهر في أحسن الأحوال.
لذلك، علينا عدم تحميل العاملين مسؤولية ضعف الإنتاجية في مؤسساتنا سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام، وعلينا عدم ملاحقتهم في إجازاتهم وأجورهم ومنافعهم الأخرى، ولنتوجه الى الأسباب الحقيقية التي تؤدي الى ضعف إنتاجيتهم ومعالجتها، ولنبدأ بتغييرات جذرية في أساليب التعليم والإدارة.