إنصاف محمد دحيلان أبو تايه

“شيخ الدولة”، “أبو البلاغة”، فارس، شجاع، مقدام.. تلك صفات أو مسميات أُطلقت على الشيخ محمد دحيلان أبو تايه، أحد الرجالات المخلصين للوطن، الذي للأسف لم يتم تسليط الضوء عليه بما يستحق، وتبيان ما قدمه للأردن أو فلسطين، ولم يتم إنصافه من الجهات المعنية، وكذلك، من الكتب التي لم تتحدث مطولًا عن رجالات الوطن، القدماء، الذين بذلوا الغالي والنفيس، في سبيل رفعة البلاد، وقضايا الأمتين العربية والإسلامية.اضافة اعلان
أبو تايه، المولود في العام 1880 والمتوفي بمدينة معان العام 1939، كان ذا رؤية مستقبلية مستشرفة، همه، كما الكثيرين، كان إحباط ما يُحاك ضد بلدهم وقضاياه الرئيسة، التي تتمثل بدحر كل من يُريد النيل من الوطن، أيًا كان!.
كان له دور في الثورة العربية الكبرى، حيث زار في أواخر العام 1915، الشريف الحسين بن علي في مكة المكرمة، وأكد استعداده ورجال قبيلته للانضمام للثورة، كما كان على رأس مستقبلي الأمير فيصل، عند اندلاع الثورة.
“لطالما كنت أطمع بإقناع الشيخ أبو تايه بالخطط العسكرية، لحاجتنا لموافقته قبل تنفيذها”.. هذه مقتطفات جاءت في كتاب “أعمدة الحكمة السبعة”، للكاتب توماس ادوارد لورنس، الذي وصفه بأنه “كان ثريًا وكريمًا، نزيهًا، متواضعًا، حكيمًا”.
هذه الصفات التي ذُكرت من مستشرق، بحق أردني الهوى والهوية، تأتي ردًا على كل من يقول إن البعض قد انضم للثورة، طمعًا في مال وغنائم، وتدل أيضًا على أن أبو تايه كان أردنيًا عروبيًا قوميًا، ذا حنكة عسكرية، فهو ليس بحاجة إلى زعامة أو جاه أو مال، فقد كان الراحل، يعول أيتاما وأرامل في البادية، وخصّص جزءًا من منزله في معان، كمسكن دائم لهذه الفئات.. كما كان يقدم كل يوم خميس، ولائم طعام في ذلك المنزل لفقراء وأيتام وأبناء سبيل.
ومما يدل على أنه كان ثريًا، همه الأخير المال، غير طامح أو طامع بمنصب أو جاه، فقد كان أبو تايه أول رجل من البدو الرّحل عامة، يقتني سيارة.. وتقول الرّحالة جيرترود بيل، “إن أبو تايه قام بإهدائي بعض الهدايا، منها ظبية صغيرة جميلة، وجلد نعامة جميل، ملون بالأبيض والأسود”.
وكالعادة، لم تُنصف الكتب والمؤرخون للأردن ورجالاته، أبو تايه، أحد رجالات الوطن، الذين خاطبوا الشريف الحسين بن علي، بُغية إيفاد أحد أنجاله ليقود الحركة الوطنية الأردنية.
ويبقى السؤال، لماذا لم يتم إنصاف مثل هكذا رجال، فأبو تايه وضع نفسه وماله، لبناء الأردن الحديث، حيث دعم الحركة الوطنية الأردنية، بكل ما يملك من ثروة مادية، وتأثير عشائري كبير.
رجل عندما يتكلم يُقنع من أمامه، أو مُحاوره، أو مُحدثه، زعيم من طراز آخر، وذلك ما دفع الإمبراطورية العثمانية لتنصيبه، ممثلا لعشائر الحويطات لديها.. لكن حسّه الوطني، وانتماءه وإخلاصه للأردن، كانت أكبر من امتيازات منحتها تلك الإمبراطورية له.
“لم أكترث بأوسمتكم وامتيازاتكم بقدر اهتمامي بتحرير العرب من ظلمكم”.. تلك كلمات قالها الراحل لقائد القوات التركية في منطقة درعا، بشهر أيلول من العام 1919، ما تزال حاضرة، ولها صدى، تُسبب صُداعًا لكل من تُغريه امتيازات أو أموال أو جاه أو منصب.
لماذا لا يتم ذكر رجل مثل أبو تايه في الكتب المدرسية؟، ولماذا يغضون الطرف عن صولاته وجولاته في سبيل رفعة وتقدم الوطن، ودحر أعدائه، حيث قام وعدد من رجالاته بتعطيل سكة الحديد، الممتدة 80 ميلًا، ومحطاتها السبع جنوب الأردن، والاستيلاء على الخط الممتد بين معان والمدورة.
رجل يحب العلم والتعليم، حيث عين معلما خاصا لأنجاله.. ونذر أبناءه للدفاع عن القضية المركزية في منطقة الشرق الأوسط، القضية الفلسطنية، حيث شارك ابنه سويلم، في معارك فلسطين العام 1948، بينما نجله ملاّح كان أحد أبطال وشهداء الجيش العربي في معركة القدس الشهيرة العام 1967، في حين كان نايف من أوائل ضباط الجيش العربي، وأمضى معظم خدمته العسكرية في فلسطين.. يستحق أن تكون له مساحة في كتاب مدرسي، أو حلقات عدة في وسائل الإعلام الرسمية!.
بطل في تلك الصفات، قدم الكثير، كيف لا يتم إنصافه؟ كيف لا يوجد في عمان شارع أو ميدان أو معلم طبي أو ثقافي أو اجتماعي يحمل اسمه.. فأبو تايه كما غيره من الكثير من الأردنيين يتعرضون للنسيان!.