إنقاذ كوكبنا يتطلب تغييرًا منهجيًا وسلوكيًا

ناشطون مناخيون يرفعون شاخصة تقول: المناخ يتغير، ويجب أن نفعل نحن - (أرشيفية)
ناشطون مناخيون يرفعون شاخصة تقول: المناخ يتغير، ويجب أن نفعل نحن - (أرشيفية)

ترجمة: علاء الدين أبو زينة- غراهام بيبلز* – (كاونتربنش) 12/11/2021

لقد تم تسميم البيئة الطبيعية، وتخريبها وتدميرها وفقًا لمطالب وقيم نظام اجتماعي واقتصادي شامل، وطالما استمر عمل هذه القيم والمطالب، سيكون من المستحيل تخيل القيام بالخطوات المطلوبة لإنقاذ العالم الطبيعي.

اضافة اعلان

وسوف يستمر فقط تطبيق الاعتبارات الاقتصادية والمصالح الذاتية قصيرة المدى وسوف يتواصل التخريب.

“النيو-ليبرالية” هي شكل متطرف من أشكال الرأسمالية، بإيديولوجيتها التأسيسية نفسها، وإنما بطريقة أكثر قتامة -بل وأكثر ظلمًا ووحشية.

إنها ترى كل جانب من جوانب الحياة -الممرات المائية، والغابات، والهواء، والناس، وسمِّ ما شئت- كمنتج محتمل يمكن استغلاله، والاستفادة منه، وتجريده من كل قيمة فيه، ثم التخلص منه.

وتشكل “السوق الحرة” (هل يوجد مثل هذا الشيء حقاً، في أي مكان)؟

وقدرتها على تنظيم العرض والطلب، حجر زاوية في هذه الإيديولوجية، وكذلك حال المنافسة والمُلكية الخاصة لكل شيء، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم -وحتى السجون.

ومهما كانت المنطقة المعنية، فإن الهدف هو نفسه: تعظيم الإنتاج إلى الحد الأقصى، وتقليل التكلفة.

 فضلا عن توليد الثروة للأعمال التجارية، والأهم من ذلك لأصحاب الأسهم، مهما يكن الأثر الذي يُحدثه ذلك على البيئة والمجتمع.

وفي سبيل ذلك، تطوَّر نظام للقيمة وأسلوب حياة متكامل بما يتفق مع روح هذه الأيديولوجية السامة: الطموح الفردي -النجاح الشخصي فوق رفاهية المجموعة؛ الجشع أو الإفراط؛ المتع الحسية؛ المادية؛ القومية القبلية (التي تعززها المنافسة)؛ عدم الثقة بالآخرين المختلفين، وتلفيق لفكرة الفردانية.

والفردانية الحقيقية مستحيلة في ظل قيود العقيدة التي تتطلب التطابق والامتثال، واستيعاب التعبير الإبداعي ودمجه لصالح ميكانيكا واتجاهات الآلة، ومثل جميع الأيديولوجيات، تتحرك نحو التبلور، وتبقي نفسها متعالية وتدعي عدم وجود بدائل قابلة للتطبيق.

وقد تشكلت المجتمعات حول هذه المُثل والقيم، وكذلك السلوك الفردي والجماعي؛ السلوك الناتج عن الطرق المشروطة للتفكير بشأن أنفسنا، وبشأن الآخرين، والبيئة والغرض من الحياة، والتي، في حين أنها غير معلن عنها على الملأ، فإنه يتم التلميح إليها من خلال القيم التي يجري الترويج لها: والغرض.

كما تقول، يتعلق بالمتعة، والإشباع الحسي والنجاح المادي؛ والتي يتم بيعها جميعًا على أنها الوسيلة لتعظيم السعادة الذاتية وتحقيق الذات، من دون التساؤل أبدًا عن ماهية هذه “الذات”.

مثل هذه السعادة المتمحورة حول الذات مشتقة من فكرة اللذة وإطفاء الرغبة، وهو أمر غير ممكن، كما يعرف مهندسو النظام جيدًا، لأن الرغبة لا يمكن أن تشبع.

وهذه الحقيقة معروفة غريزيًا، لكن الرسائل التي تشير إلى عكس ذلك تستمر بلا هوادة. وبالنسبة للكثيرين، وربما للمعظم، تكون تجارب الحياة اليومية كبيرة جدًا، والانفصال عن الذات والعالم الطبيعي حاد جدًا، ما يجعل الترويح عن النفس أمرًا ضروريًا.

ويوفر عالم الاستهلاك المتنوع والمرن بلا نهاية وسائل التخفف اللحظي: الكحول والمخدرات (القانونية وغير القانونية)، والجنس، والتسوق، والتلفزيون، والرياضة، والمزيد من التسوق، والعطلات، والدِّين المنظم، والتسوق والطعام.

ويتم الإصرار بشكل مفرط على الجشع وملكية الأشياء (المنازل والسيارات والملابس وما إلى ذلك)، والمراكمة العامة للأشياء، لسبب بسيط هو أن الاستهلاك هو الذي يغذي هذا الوحش.

وهذه النزعة الاستهلاكية ذاتها، التي تديم التعاسة وتؤجج اعتلال الصحة، هي أيضًا السبب الكامن وراء حالة الطوارئ البيئية.

إنه الاستهلاك غير المسؤول للمواد الغذائية القائمة على الحيوانات والسلع المصنعة، والتي يُصنع الكثير منها في العالم الآسيوي (حيث استعان الغرب بمقاولين خارجيين من الباطن لإطلاق انبعاثات إنتاجه لغازات الاحتباس الحراري)، هو الذي يقود الأزمة.


“إذا” كبيرة…
كان الرضا عن الذات، والجهل والأنانية، هي الأسلحة الرئيسية لتدمير البيئة التي استخدمتها الحكومات الغربية والشركات الكبرى والأثرياء على مدى عقود. والآن، وقد تبنت ذلك دول في أجزاء أخرى من العالم، أصبح التأثير البيئي العالمي مدمرًا، وفي كثير من الحالات كارثياً: تدمير النظم البيئية؛ وذبح الحياة الحيوانية؛ وتسميم الهواء والماء؛ واستنزاف التربة وتجريدها من كل خير؛ وإرباك أنماط المناخ الطبيعي.

من أجل وقف المذبحة والبدء في شفاء الكوكب، ثمة حاجة إلى إحداث تغيير جذري، وليس المزيد من التعهدات الخطابية أو الدعاية الخضراء للشركات فحسب؛ تغيير جذري في السلوك والمواقف، والذي يكون من شأنه أن يؤدي إلى أسلوب حياة ألطف وأكثر مراعاة وحرصاً. ومع ذلك، فإن القيم والأفعال المطلوبة لا تتوافق مع الرأسمالية النيوليبرالية، أو أي شكل من أشكال الرأسمالية، والسلوك الأناني الجشع الذي تروج له: أنماط الحياة القاسية المصممة في الدول الغنية، حيث تحدث أقصى مستويات الاستهلاك.

بعد كل شيء، ليست مناطق الهند، أو الصين، أو إفريقيا جنوب الصحراء هي المكان الذي يحدث فيه الاستهلاك المتسارع المسعور؛ إنهم الأغنياء هم المسؤولون بشكل غامر -الأغنياء فاحشو الثراء على وجه الخصوص؛ الطائرات الخاصة؛ المنازل والسيارات العديدة؛ والسفر المستمر، وأكوام وأكوام الأشياء.

وقد وجدت دراسة أجرتها منظمة “أوكسفام” ونُشرت في العام 2015، أن “خمسين بالمائة من انبعاثات الكربون في العالم ينتجها أغنى 10 بالمائة في العالم، في حين أن النصف الأفقر -3.5 مليار شخص- مسؤولون عن 10 بالمائة فقط من هذه الانبعاثات”.

وفي فترة الأعوام الـ25 التي تمت دراستها (1990-2015)، ارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بنسبة 60 في المائة، وكانت “الزيادة في الانبعاثات من أغنى 1 في المائة أكبر بثلاث مرات من الزيادة في الانبعاثات من النصف الأفقر” من سكان العالم، الذين يشكلون حوالي 3.6 مليار شخص.

إن الأغنياء حقًا، والشركات (التي يمتلكونها)، المنغمسين في الأنانية والذين تحميهم الحكومات، هم الذين يمتلكون كل شيء ويستهلكون المعظم من كل شيء.

وقد استفاد هذا التجمع النخبوي المفرط في الانغماس، الثري بشكل بشع، بشكل كبير من الآلة الاجتماعية والاقتصادية، وهو مقاوم جداً للتغيير المنهجي المطلوب إذا -وهي في هذه المرحلة “إذا” كبيرة- كنا لننقذ العالم الطبيعي وكل ما يعيش فيه.

إن القيود الهيكلية (المالية، السياسية، والاجتماعية) والتوقعات السلوكية لإيديولوجية الجشع والاستغلال، تمنع التغييرات المطلوبة من الحدوث في الإطار الزمني المطلوب، بحيث تسود المماطلة الدائمة، والأعذار والتأخير، حتى بينما الكوكب يحترق.

والقيود المتأصلة والمطالب التي لا هوادة فيها -للاستهلاك، والاستغلال، والتنافس، والتقسيم- تتعارض تمامًا مع احتياجات البيئة، وفي الحقيقة صحة البشرية؛ إن التضحية شيء مطلوب؛ التضحية بطريقة حياة مادية أدت إلى تكوين مجتمعات منقسمة من الناس القلقين غير السعداء وإلى تدمير العالم الطبيعي.

في العام الماضي، كما كان الحال مع كل عام خلال العقد السابق، كانت انبعاثات غازات الدفيئة العالمية هي الأعلى على الإطلاق؛ هذا على الرغم من الهدوء الاقتصادي الناتج عن القيود التي فرضها وباء “كوفيد” والمستويات العالية من الوعي بالطوارئ البيئية في جميع أنحاء العالم.

ومع اقتراب مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، COP26، من نهايته المتواضعة وغير المثيرة للإعجاب، كانت الحكومات تتجادل حول أهداف الحد من الانبعاثات، وتمويل الوقود الأحفوري، والأموال المقدمة للجنوب العالمي.

ويفيد استطلاع أجري حديثاً بأن معظم الناس (في الدول العشر التي شملها الاستطلاع، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا) غير مستعدين لتغيير أسلوب حياتهم من أجل إنقاذ كوكبنا. ويجب أن نسأل مرة أخرى، ما الذي تحتاجه البشرية حتى تستيقظ وتتغير؟


لكي تواجَه حالة الطوارئ البيئية بالكثافة المطلوبة، ولكي يحدث الشفاء، يلزم حدوث تحول جذري؛ تحول منهجي، إلى جانب تغيير جذري في المواقف والقيم والسلوك، لا سيما بين أولئك الذين يعيشون في الدول الغنية؛ تحول عن الرضا عن الذات والأنانية نحو المسؤولية والتعاون وبساطة الحياة؛ وعمل موحد متجذر في الحب.

وكما قالت إليزابيث واثوتي (الناشطة المناخية الشابة) من كينيا، لمؤتمر الأمم المتحدة الأخير للمناخ في خطابها الرائع: “اهتموا بعمق، وتصرَّفوا بشكل جماعي”.

*Graham Peebles: كاتب بريطاني مستقل وناشط في العمل الخيري. أسس The Create Trust في العام 2005 وأدار مشاريع تعليمية في سريلانكا وإثيوبيا والهند.


*نشر هذا المقال تحت عنوان: Saving Our Planet Requires Systemic and Behavioural Change

 إقرأ المزيد في ترجمات