إنها "الالتباسات" يا سماحة السيد

انقسام سياسي لا طائفي. هذا ملخص خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله لأنصار المعارضة المعتصمين سعيا لإسقاط الحكومة. وهي بنظر نصرالله ليست "سنية ولا المعارضة شيعية". وجاء خطيب الجمعة فتحي يكن ليؤكد على المعنى ذاته، فالمواجهة ليست مع الحكومة وإنما مع "المشروع الأميركي". ولمن لا يعرف فإن لـ"يكن" مقاما في حركة الإخوان المسلمين كبرى الحركات السنية في العالم العربي تجعل له ثقلا ووزنا لا يزاحمه فيه السنيورة وتيار المستقبل. مع أن التيار في الواقع هو المعبر عن أكثرية سنة لبنان لا "يكن".

اضافة اعلان

في مرافعته عن سياسَية الانقسام قال نصرالله إن السادات وقع كامب ديفيد فهل يحمل السنة وزر كامب ديفيد، لكنه عندما اقترب من العراق أجمل وعمم واكتفى بالانسحاب قائلا أنه لا يريد الدخول في هذه "الالتباسات". مع أن ما يعطي الانقسام سياسيته ويبعد عنه الطائفية هو الحديث عن العراق ولبنان بنفس المعايير بلا ازدواج. فالمقاومة واقعيا في البلدين مشوبة بـ"الالتباسات" وناتجة عن انقسام لا عن إجماع. والانقسام على المقاومة في لبنان لا ينفيه البيان الوزاري للحكومة الذي أملته موازين قوى غير موجودة في العراق.

الانقسام في لبنان أوضح؛ لأن المعركة مع الإسرائيلي نظيفة (في حقبة حزب الله أما قبلها فلا) ولا توجد فيها حروب أهلية، ومع ذلك وبحسب المواقف السياسية المعلنة واستطلاعات الرأي فنصف اللبنانيين لا يريدون مقاومة إسرائيل. لأنهم لا يستطيعون تحمل كلفة الحرب معها لا محبة فيها، وبعضهم تعاون ويتعاون مع الإسرائيلي ضد المقاومة علانية كما في جيش لبنان الجنوبي، وسرا كما تكشف من شبكات تجسس، وكما أعلن نصرالله في خطابه. اليوم يوشك سلاح المقاومة أن يكون صاعقا لحرب أهلية لا يحول وعي اللبنانيين دون وقوعها  بقدر ما تعطلها القوة الطاغية لحزب الله وهشاشة الجيش وحياده في آن وافتقار الطوائف الأخرى للتسليح.

 

"الالتباسات" لم تمنع حزب الله من الانتصار على إسرائيل، وهو نصر بقدر ما أفرح أمة العرب والإسلام أقلق  شريحة واسعة من اللبنانيين. فالفئة القليلة من المقاتلين التي هزمت الإسرائيلي المسنود بدعم أميركي غير محدود تسليحا وسياسية وبانقسام عربي ولبناني، قادرة على هزيمة الفئة الحاكمة ولو كثرت. والنصر وإن كانت أداته العسكرية مقاتلين "شيعة" إلا أنه حظي بدعم "الأمة" من المحاكم الإسلامية في الصومال إلى شوارع لندن، وهو ما هيَأ الأجواء لحل سياسي مشرف قاده فؤاد السنيورة باقتدار وكفاية. فكان إعلان وقف النار هو الانتصار لا قرار بدء المعارك.

 

عراقيا الحال تتشابه كثيرا. فهزيمة المشروع الأميركي في العراق على يد المقاتلين "السنة" هو ما مكن إيران وسورية من مواصلة دعمهما لحزب الله، وهو ما كف يد أميركا عن التدخل في المنطقة بعامة ولبنان بخاصة. وبعد أن كانت قوة متوحشة تبحث عن فريسة غدت تفكر بانسحاب يحفظ ماء الوجهة. ذلك الانتصار كانت شروطه أصعب بكثير من شروط انتصار حزب الله. ففي الوقت الذي حمت حكومة الحريري (السنية) المقاومة (الشيعية) باتفاق نيسان، وبنت ما دمرته الحرب وعوضت من تضرر، وهو ما كررته حكومة السنيورة لاحقا، كانت الحكومة الشيعية في بغداد لا تتوانى عن الشراكة مع المحتل في مواجهة المقاتلين السنة في الفلوجة والرمادي والقائم وغيرها، غدت سمعة الحرس والوطني والشرطة، بسبب فرق الموت المعروفة، أسوأ من سمعة جيش الاحتلال وفضائح سجون وزارة الداخلية تفوقت على سجني أبو غريب وغوانتنامو.

المقاومة في العراق لا تحظى بوزراء وبسلاح إيراني ومال بلا حدود، لا يوجد مكان في العالم يسمح بوجود متحدث باسم فصيل عراقي مقاوم، ولولا فضاء الإنترنت لما سمع لها صوتا. ومع ذلك وبحسب بوب وودود في كتابه "حالة نكران" فإن معدل العمليات يصل إلى عملية كل ربع ساعة. وهي مقاومة أسقطت رامسفيلد وتينت وبولتين (الذي ظل يهاجمه نصرالله كثيرا) وأخرجت الكونجرس من يد الجمهوريين. تلك المقاومة شابتها "التباسات". غير أنه ليس صعبا التمييز بين الحرب الأهلية والقتل الطائفي من جهة، وبين المقاومة من جهة أخرى.

 

في كل الخطاب لم يذكر نصرالله من هزم المشروع الأميركي في العراق، ولم يذكر من مكن له ولا يزال يمكن له. لسبب بسيط وهو أن الحكومة العراقية شيعية وأن المقاتلين سنة. وقد عرف وليد جنبلاط كيف يلوي ذراع الحزب سياسيا عندما تساءل كيف يخون السنيورة على لقاء الأميركيين ولا يلام الحكيم على لقائهم، مع فارق كبير لصالح السنيورة، انه لم يتورط في دماء لبنانية مقاومة أم غير مقاومة، نصرالله لم يقدم إجابات بل أضاف التباسات على ما هو ملتبس!

[email protected]