إنهم يشبهوننا ويشبهونكم

أظهرت اعترافات خلية الفحيص الإرهابية التي كشفت عنها الأجهزة الأمنية الأردنية مساء الخميس عن سلسلة من المتغيرات والمتناقضات الجديدة والقديمة التي تتطلب أن نراجع فهمنا لطريقة صناعة التطرف والإرهاب على المستوى المحلي، تتجاوز في بعض جوانبها فهمنا التقليدي لهذه الظاهرة الظلامية، وفي المجمل تقودنا الاعترافات وما رافقها من تفاصيل وخصائص هذا الجيل من الإرهابيين الجدد إلى مراجعات صادمة تنال بنية الأسرة الأردنية وتنال مؤسساتنا التعليمية ونظم التنشئة الاجتماعية وما أصابها من تشوه، في ضوء الضجيج الرسمي الذي لا يتوقف حول مكافحة التطرف، فهؤلاء الشباب وصلوا إلى تكفير الناس كافة ما برر لهم استهداف المؤسسات الوطنية وترويع المجتمع وفي لحظة من الانقطاع وغفلة من الجميع لم يجدوا أمامهم إلا الدين أداة للموت والشقاء لا أداة للحياة وطمأنة الناس.اضافة اعلان
أخطر ما كشفته الاعترافات وأصحابها وأكثر ما صدمنا أنهم يشبهوننا! فجميع أفراد الخلية الإرهابية شباب صغار لم يتجاوزوا بداية الثلاثينيات من أعمارهم أي أنهم يشبهون القاعدة الأوسع من الأردنيين، وجميعهم أبناء عائلات معروفة ونالوا تعليما ودرجات علمية في مختلف المجالات وتخرجوا من مؤسساتنا التعليمية، وجميعهم لديهم عمل وأحوالهم الاقتصادية من المفترض مستقرة. الشباب ليسوا ملائكة ولا شياطين، وهم على الأرجح من ذهبوا إلى اعتناق هذه الأفكار التكفيرية من مصادرها التي قد يصل إليها أي شخص في أي وقت؛ وفق هذه الخصائص تأتي الصدمة وتكمن الخطورة .
كيف بات ينمو في أحشائنا هؤلاء الإرهابيون الصغار في القرى والمدن والمخيمات على حد سواء؛ أي أُسر أنشأتهم وأي مؤسسات قامت على رعايتهم، وأي نظم تعليمية وتربوية وإعلامية غذتهم حتى وصلوا إلى هذا الحال، وأصبحوا لقمة سائغة بين فكي القوى الظلامية، هذا ما يحتاج إلى مراجعة حقيقية أكثر جرأة وعلانية.
للأسف؛ لقد تجاوزنا السؤال هل لدينا حواضن للمتطرفين والإرهابيين، إلى سؤال كيف تنمو هذه الحواضن بيننا، وما هي ظروف تشكلها وأين، ومتى تقفز في وجهنا؛ تضيع الرؤية وسط فوضى من الآراء النافية بالمطلق، والأخرى التي تؤكد بالمطلق، وفي الواقع نحن لا ندري إلى أي مدى تسللت الأيديولوجيا الظلامية المتطرفة إلى البيوت وأصبحت جزءا من الأسر والحارات والمساجد وباتت تشكل جماعات محلية من العلاقات القرابية والأقران والأصدقاء، ويبدو أن الأدوات التي كانت تقدر الأخطار ومصادر التهديد الداخلية بحاجة إلى زيت جديد.
إلى هذا اليوم لا يوجد لدينا رؤية واضحة لمواجهة التطرف كما هو الحال في ندرة الأدوات والموارد، وكل ما يقال عن خطط أعلنت وأخرى لم تعلن لا تتعدى كونها إنشاء ثقافيا سياسيا لا طائل منه، مثل الحديث الطويل عن تأصيل ونشر قيم التسامح والتعددية وقبول الآخرين، أو نشر ثقافة مجتمعية ديمقراطية ومدنية بدون وجود برامج تنفيذية واضحة وإجراءات ومؤشرات قابلة للمراجعة والقياس، ومؤسسات كفؤة قادرة على التنفيذ وقياس الأثر ومراصد اجتماعية ومجسات قادرة على قياس حرارة التطرف في عمق جسد المجتمعات المحلية.
وفق المنظور الاستراتيجي استطاعت العملية الأمنية تحقيق أهدافها بالقضاء على الخلية الإرهابية، ومنع الإرهاب من تحقيق أهدافه فهناك مؤشرات عديدة على وجود مخطط إرهابي كبير تم وقفه كما بدا الأمر واضحا في اعترافات الإرهابيين، ولكن ثمن هذا الإنجاز كان غاليا ودفعنا ثمنه شهداء من صفوة شبابنا، حدث ذلك أيضا في عملية الكرك ودفعنا الثمن ذاته وقدمت القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الدليل تلو الدليل على احترافيتها وقدرتها على التضحية من حادث الموقر إلى خلية إربد ثم حادث البقعة وعملية الركبان وصولا إلى الفحيص والسلط، في كل ذلك كانت الأجهزة الأمنية قادرة على تغيير قواعد الاشتباك وتطوير أدواتها وفي كل مرة تثبت أنها قادرة على وقف المخططات الإرهابية عند حدها، في المقابل لا قواعد اشتباك اجتماعي أو ثقافي أو إعلامي مع الظلامية الجديدة ومع ما تفرخه.
المعركة الفعلية داخل المجتمع، فماكنة صنع السياسات الاجتماعية والثقافية تحتاج إلى زيت جديد. انتبهوا ان أكثر ما يصدم في هذه الاعترافات والتفاصيل أنهم يشبهوننا ويشبهونكم.