"إن الله وملائكته يصلّون على النبي"

أسامة شحادة

كم هو معيب أن بعض أبناء وبنات المسلمين لا يعرفون قدر النبي صلى الله عليه وسلم؛ إما جهلاً منهم بعظم حقه وفضله الذي استحقه لما منحه للبشرية من هداية ورحمة، وإما لعقدة شخصية جراء تجربة أو موقف سلبي مع شخص مسلم، فتضخم في نفسية مريضة ليصل لكره النبي صلى الله عليه وسلم!اضافة اعلان
ومقابل هؤلاء الجهلة أو المعقدين، نجد كثيرا من عقلاء البشر من غير المسلمين يعرف قدر النبي صلى الله عليه وسلم ويصرح بذلك علناً. وقد جمع كثيرا من هذه الشهادات الدكتور عماد الدين خليل في كتابه الكبير "قالوا عن الإسلام"، وهناك كتب أخرى في الموضوع نفسه. وهذا عدد من الشهادات الغربية على بعض عظمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
- لامارتان: "هذا هو محمد... الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء... هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. إذا التفتنا إلى كل المستويات التي يمكن أن تقاس بها العظمة الإنسانية فإننا نتساءل بحق: هل يوجد من هو أعظم منه؟".
- مايكل هارت: "إن محمداً كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي... إن هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معاً يخوّله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير في تاريخ البشرية".
- فيليب حتي: "إذا نحن نظرنا إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- من خلال الأعمال التي حققها، فإن محمداً الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة والمجاهد، يبدو لنا بكل وضوح واحداً من أقدر الرجال في جميع أحقاب التاريخ، لقد نشر ديناً هو الإسلام، وأسس دولة هي الخلافة، ووضع أساس حضارة هي الحضارة العربية الإسلامية، وأقام أمة هي الأمة العربية، وهو لا يزال إلى اليوم قوة حية فعالة في حياة الملايين من البشر".
- جورج برنارد شو: "ما أحوج العالم إلى محمد ليحل مشاكل العالم وهو يحتسي فنجان قهوة".
هذه بعض شهادات العقلاء والمنصفين في حق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهي تتحدث عن بعض جوانب عظمته وفضله وإنجازاته، والتي يرونها من منظورهم العقلي والمادي، بينما المؤمنون به نبياً ورسولاً فإنهم مع إدراكهم لهذه الجوانب يجمعون معها أكبر ميزة وعظمة وفضل له صلى الله عليه وسلم على البشرية جمعاء، وهي الميزة التي خلدها الله عز وجل في كتابه القرآن الكريم حين قال تعالى: "الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ" (إبراهيم، الآية 1).
وهذا الدور العظيم للنبي صلى الله عليه وسلم بإخراج الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، هو الذي أعاد للبشرية كرامتها وحريتها الحقيقية، فأخرج الناس من عبادة الأحجار والأشجار والظواهر الطبيعية، وحررهم من عبادة البشر من الجبابرة أو الدجاجلة، وأشاع في الناس سمو الأخلاق ورفعة الصفات الحميدة، وأنقذ المرأة من الظلم الذي كانت فيه، وأعاد للشعوب حياة السلام والتعاون بدلاً من الحروب والعدوان، فصفت النفوس بطاعة الرحمن الرحيم، وانتشر العدل بالاقتداء بالبشير النذير محمد صلى الله عليه وسلم. ونمت المجتمعات وازدهرت حياتهم بانتشار العلم وانحسار الجهل واستغلال تسخير الله عز وجل الكون للناس بعد أن كانوا يعبدونه! 
وبسبب هذه المهمة العظيمة؛ وهي إخراج الناس والبشرية كلها من الظلمات إلى النور في الدنيا والآخرة بتبليغ كتاب الله عز وجل وتطبيقه بينهم، استحق النبي صلى الله عليه وسلم محبة الله عز وجل وملائكته والمؤمنين. وكان التعبير عن هذا الحب له صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصلاة عليه كما قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (الأحزاب، الآية 56).
والصلاة من الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم هي: ثناؤه جلّ شأنه عليه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه، كما يقول الإمام ابن القيم في كتابه "جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام". واستدل بما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي العالية إذ قال: "صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه عند ملائكته"، "وأما صلاة الملائكة والآدميين فهي سؤالهم الله تعالى أن يفعل ذلك به -أي يرفع ذكره وتقريبه- ويكون تسمية العبد مصليا لوجود حقيقة الصلاة منه فإن حقيقتها الثناء وإرادة الإكرام والتقريب وإعلاء المنزلة والإنعام، فهو حاصل من العبد، غير أنه يريد ذلك من الله عز وجل، والله جل شأنه يريد ذلك من نفسه أن يفعله برسوله".
وهذا تحقق في الدنيا من رفع اسم النبي صلى الله عليه وسلم عالياً في الأذان كل يوم خمس مرات مقروناً باسم الله عز وجل. وقد أثبت بعض الدراسات الحديثة أن الأذان لا يغيب عن الأرض لحظة في اليوم بحسب توزع خطوط الطول، إذ تتعاقب مواعيد الأذان بتناغم عجيب لتتخطى خطوط الطول كافة في العالم! هذا فضلاً عن مئات الملايين من المؤمنين الذين يصلّون عليه في حديثهم وفي أذكارهم المتعلقة بشؤون حياتهم، حتى أصبحت كلمة "صلّ على النبي صلى الله عليه وسلم" من العبارات التي تجلب السلام وتنهي الخصام وتفتح القلوب وتيسر أمور التعامل بين الناس، حباً في النبي صلى الله عليه وسلم، وحباً في أخلاقه الكريمة التي تترفع عن الخلاف والتعصب وسفاسف الأشياء.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لها أجور عظيمة عند الله عز وجل، لأنها التزام بأمره تعالى بالصلاة على حبيبه وخليله محمد صلى الله عليه وسلم أولاً، ولأنها سبب لصلاة الله عز وجل على المسلم عشر مرات. وصلاة الله عز وجل على المسلم هي رحمة منه عز وجل للمسلم المصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلّى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه عشراً" (رواه مسلم). ولهذا حين سأل أُبي بن كعب رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم: كم أجعل لك من صلاتي؟ أرشده النبي صلى الله عليه وسلم للزيادة، حتى قال أُبي: إذن أجعل لك صلاتي كلها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك" (رواه الترمذي، وعلق عليه شيخ الإسلام ابن تيمية: لأن من صلى على النبي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ومن صلى الله عليه كفاه همه، وغفر له ذنبه).
فالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم عبادة جليلة أمرنا بها الله عز وجل، لِما للنبي صلى الله عليه وسلم من فضل ومنة في رقاب الناس جميعاً، مؤمنين وغير مؤمنين. والعبد الموفق هو من يوفق لكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وكثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم باللسان، تدل على الحب لله عز وجل وللنبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحب يستلزم الاقتداء بالقلب واللسان والعمل للنبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ..." (آل عمران، الآية 31).
وهذا المعيار -وهو موافقة الفعل للقول في حب النبي صلى الله عليه وسلم- هو الذي يكشف عن قوة الحب للنبي صلى الله عليه وسلم حقيقة في حياة المسلم؛ هذا الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم في شؤون الدين والدنيا كافة، لأن في اتباع سُنته الخير والبركة دوماً.
وكم هو ملفت التناقض بين كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض المحبين، ثم يكون مقصراً في صلاته أو حجابه أو أخلاقه أو بيعه وشرائه أو اقتدائه بشخصية تناقض شخصية النبي صلى الله عليه وسلم.
لتكن صلاتك على النبي صلى الله عليه وسلم صلة لك به في جميع الأمور، وتزداد يوماً بعد يوم توثقاً وصلابة بتعلم دينه قرآنا وسُنّة.