إن بعض الراديكالية خير

لو لم ينقلب كوبرنيكوس على نظرية ثبات الأرض كمحور للكون، لما تطوّر العلم. ولو لم ينشق مارتن لوثر بعيداً عن تغوّل الكنيسة، لما انطلقت حركة الإصلاح الديني.اضافة اعلان
الراديكالية، هي الثورة على السائغ المعتاد والابتعاد عن القديم الشائع. وهي خرق الجمود الفكري والعقلي، وزلزلة الراكد من الأفكار والمعتقدات البالية. وهي بهذا رديف التطور والحركة وإعمار الأرض. والراديكالية باعتبارها انقلابا في التفكير أو ثورة في العلم، هي وسيلة مصلحي العلم لتقدم البشرية، وتطور العلم والتكنولوجيا.
والصحيح أن الإصلاح السياسي الذي نُنادي به، من حيث تبنّي الديمقراطية وقبول الآخر، يبدو راديكاليا في واقع مجتمعاتنا الجمعية التي لا تحترم حرية الفرد وحقه في المشاركة وتحديد المصير. ولهذا، فإن جميع الأفكار السياسية والفكرية الجديدة يُقاومها ذوو الاحتياجات الراكدة القابضة على جمر السكون والسكينة المُزيفة. الراديكالية انعتاقٌ من الساكن الراكد في فكر وعقل "الجموع"، وهي انعتاق يرنو إلى تطوير وتنوير ذهن تلك "الجموع"، وقد قالها القاضي عبدالجبار المعتزلي: "ليست الكثرة من إمارات الحق ولا القلة من علامات الباطل".
ولكن الجماعات الراديكالية قد تنحو لتحدث تخريباً وفوضى بدلا من أن تحقق إعماراً وإصلاحاً؛ عندما تتوسّل "القوة" لتثبت ذاتها وتفرض تطرفها بقوة غير قوة العقل والمنطق والعلم. إذ تصبح الراديكالية تدميراً عندما تُستخدم قوة الإرهاب؛ إرهاب السلاح أو سلاح الإرهاب بأشكاله كلها، العسكرية أو الفكرية أو سطوة المجتمع أو سطوة العادات والتقاليد.
نعم، من حقّ أي شخص أن ينتصر لما يعتقد أنه صواب؛ أخلاقياً أو اجتماعياً، أو بهدي من العادات أو التقاليد، وطبعاً أو بهدي من الدين. لكن، ليس من حقّ أحد أن يُعارض أي فكر جديد، أو تنوع جديد، أو خيارات شخصية، بإرهاب السلاح أو بإرهاب سطوة المجتمع أو العادات والتقاليد أو المعتقد الديني.
إن إتاحة فضاء الحرية للأفكار الجديدة يجب أن يكون هاجس المجتمع الذي ينشد التطور والتنوير. المجتمع الحديث أوجدَ القانون والقضاء كفيصل في حال النزاع، وفي حال أن راديكالية ما تُخالف قيم المجتمع كما عبّر عنها القانون. لذا، فإن القضاء المستقل هو الطريق لفضّ النزاع بين الناس، وتحديد ما يُلفظ من أي فكر جديد أو ما يُقبل باعتبار القضاء الطريق الحضارية الجديدة التي تحمي قيم المجتمع وتضمن حرية الأفراد في الانعتاق الإيجابي من الركود والسكون، مع ضمان حرية الناس في النضال والانخراط في العمل السياسي لتغيير القانون نفسه عندما يكون راكدا ولا يواكب الحضارة.
خلاصة القول؛ إن ما نُحاربه هو فرض الرأي أو المنهج بالقوة، مهما كان أساس تكييف تلك القوة. أما التجديد والتنوير فنقول أهلاً بهما، وإن بعضاً من الراديكالية خير، فاهم عليّ جنابك؟!
وكما يقولون في تونس الخضراء مفجرة "الربيع العربي"، وباللهجة التونسية: "مرحبا عليكم الناس الكل"؛ أي مرحباً بالتنوع والأفكار الجديدة، وإن كانت تختلف عن الشائع المعروف.