إيران في لبنان، فأين العرب؟!

ليس اكتشافا الوجود الإيراني في لبنان. فقبل الثورة في إيران كان مرجع الشيعة في لبنان موسى الصدر إيراني. وهو الذي أعطى – قبل اختفائه– الطائفة الشيعية، التي ظلت مهمشة تاريخيا، وزنا سياسيا من خلال تشكيل حركة أمل: أفواج المقاومة اللبنانية. ومذاك امتزجت القضية الشيعية في لبنان والمنطقة بالقضية الفلسطينية؛ فالذي سلح أمل ودربها واحتضنها سياسيا منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تقيم جمهورية الفاكهاني في بيروت وفتح لاند في الجنوب.

اضافة اعلان

فوق ذلك كان للثورة الفلسطينية اتصالات وعلاقات وثيقة بقادة الثورة الإيراينة. ولم يكن الخميني يفتعل الاهتمام بالقضية الفلسطينية. أغلقت السفارة الإسرائيلية في إيران ومنحت لمنظمة التحرير. عداؤه لإسرائيل جعله يدرج شتمها ضمن الأوراد التي تتلى عقب الصلاة. وجعل للقدس يوما عالميا، وفتح الأبواب للحرس الثوري للوصول إلى لبنان.

حضور الخميني الطاغي في المنطقة لم يكن بسبب القضية الفلسطينية فقط. كان ينظر له باعتباره محررا للمنطقة من قوى الاستكبار. بهر الإسلاميين واليساريين. فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي ألف كتاب "الخميني هو الحل"، حازم صاغية ألف كتاب الخمينية، حكاية تصدير الثورة كانت جدية. بقوة الجاذبية لا بالإكراه.

بخروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان تمددت سورية وبموازاتها إيران. أعنف الضربات وجهت للأميركيين والإسرائيليين من خلال"الجهاد الإسلامي" أي النواة التي تشكل منها حزب الله. نما الحزب وازدهر بفعل المواجهة مع إسرائيل، وغدا دولة متكاملة لها مؤسسات أمنية وعسكرية وصحية وتعليمية وإعلامية. لم يكن ذلك ليتم لولا الدعم الإيراني المباشر والعلني بالتحالف مع سورية.

عندما حقق الحزب انتصاره المدوي في عام 2000 لم تكن المنطقة تنظر إليه باعتباره انتصارا شيعيا. كانت الناس ترفع أعلام حزب الله في مجمع النقابات في الأردن. التحسس من الطائفية الشيعية كان يقتصر على الخليج وعلى العراق. لم تنتقل العدوى إلى دول المشرق العربي إلا بعد احتلال العراق واستفحال الحرب الطائفية فيه.

الحساسية لم تكن على مستوى رسمي فقط من خلال التخوف من نفوذ إيران في المنطقة. على مستوى شعبي تعمقت الحساسيات. المواجهات في لبنان عمقت المخاوف الرسمية من إيران. في المقابل، وعلى مستوى شعبي، أعيد الاعتبار لحزب الله باعتباره حركة مقاومة لا ذراعا إيرانية. الطريف أن التيارات الجهادية هي الأكثر ارتباكا في تعاملها مع المواجهات في لبنان. ومن يتابع المنتديات الجهادية يجدها مليئة بالتحذيرات من نفوذ إيراني عبر "حزب اللات" وهي التسمية التي تطلقها التيارات الجهادية على حزب الله.

 

ومن لا يذكر عليه أن يعود لآخر تسجيل للزرقاوي قبيل مقتله "هل أتاك حديث الرافضة"، والذي شن فيه هجوما على حزب الله باعتباره حاميا للحدود الإسرائيلية اللبنانية. الشيخ حامد العلي وهو من أبرز منظري السلفية الجهادية في الكويت أصدر فتوى تتعلق بالأوضاع الراهنة في لبنان خلص فيها إلى أنها "حرب بين الأبالسة المعتدين. نسأل الله أن يسلطهما على بعضهما، ويخرجنا منها سالمين" معتبرا أن "العدو الصفوي" أشد خطرا من "العدو الصهيو صليبي".

إيران حاضرة ولا يوقف حضورها التحذيرات السلفية على مستوى الشارع ولا التحذيرات السياسية على مستوى رسمي. حضور إيران في لبنان والمنطقة لا يعود لعوامل التاريخ والجغرافيا وليس بسبب جاذبية المذهب الشيعي، بل بسبب الموقف السياسي؛ وجوهره أن الناس تكره إسرائيل أكثر مما تحب إيران وعمرو موسى على رأي المطرب الشعبي المصري شعبولة.

[email protected]