إيران وإشاعات الحرب

جنود إيرانيون يشاركون في عرض عسكري - (أرشيفية)
جنود إيرانيون يشاركون في عرض عسكري - (أرشيفية)

كون هالينان - (كاونتربنتش) 3/12/2018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

فلنفكّر في الحديث الذي جرى بين الصحفي الذي يغطي شؤون الشرق الأوسط منذ وقت طويل، ريس إرليش، والسفير الأميركي السابق إلى المملكة العربية السعودية، تشارلز فريمان الابن، حول الأشخاص الذين يديرون حالياً سياسة إدارة ترامب تجاه إيران. في التعليق على دفاع مستشار الأمن القومي، جون بولتون، عن غزو العراق، قال فريمان: "يعتقد جماعة المحافظين الجدد أن أفكارهم الجيدة نُفِذت بشكل سيئ في العراق"، والدرس المستفاد من غزو العام 2003 الذي قتل ما يزيد على 500 ألف شخص وزعزع استقرار منطقة بأكملها في رأيهم، هو: "إذا لم تنجح في البداية، فافعل الشيء نفسه مرة أخرى في مكان آخر".اضافة اعلان
هذا الـ"في مكان آخر" هو إيران، وبولتون واحد من الأصوات الرائدة التي تدعو إلى مواجهة النظام في طهران والضغط على إيران من خلال فرض عقوبات شديدة القسوة "حتى استنزاف أكبر قدر من مالها". وبما أنه من غير المحتمل أن يكون للعقوبات الاقتصادية تأثير كبير -فهي لم تعمل مع كوريا الشمالية؛ ولم يكن لها تأثير يذكر على روسيا؛ وفشلت في إحداث تغيير للنظام في كوبا- فإن الخطوة المنطقية التالية، كما يقترح إرليش في كتابه الجديد "أجندة إيران اليوم: القصة الحقيقية داخل إيران والخطأ في السياسة الأميركية"، هي شن هجوم عسكري على إيران.
يمكن أن يكون مثل هذا الهجوم قفزة في الظلام، لأن معظم الأميركيين -وحكومتهم على وجه الخصوص- لا يعرفون شيئاً عن البلد الذي يبدو أننا مضطرون إلى خوض حرب معه. ويشكل إلقاء القليل من الضوء على تلك الظلمة سبباً رئيسياً في قيام إرليش بكتابة هذا الكتاب. وكان قد غطى إيران وكتب عنها لأكثر من 18 عاماً الآن؛ حيث تحدث مع شخصيات حكومية مهمة ومع الناس العاديين، وكتب المقالات حول البلد الذي يبدو بشكل متزايد وأنه سيكون مكان حربنا الصغيرة المقبلة. غير أنها ستكون أي شيء سوى "صغيرة".
التاريخ يهم عندما يتعلق الأمر بقرارات الحياة والموت حول أشياء مثل الحرب، ولكن لسوء الحظ، فإن أحد أوجه القصور السائدة في الإعلام السائد هو عدم عنايته بالتاريخ. ولو كانت الصحف، مثل صحيفة "نيويورك تايمز"، قد تكلفت عناء قراءة روديارد كيبلينج حول أفغانستان، أو تي. إي. لورنس حول الاحتلال البريطاني للعراق، فربما كان المحررون سيراجعون أفكارهم حول دعم غزوات إدارة بوش لتلك الدول. وبطبيعة الحال، لم يأتِ هذا نتيجة لارتداء غمّامات تاريخية فحسب. فكما يشير إرليش، دائماً ما يسير الإعلام السائد في أعقاب السياسة الخارجية الأميركية، ويعمل مثل قائد المشجعين أكثر من كونه رقيباً.
ولكن، إذا كانت وسائل الإعلام تلك قد تعلمت أي شيء من الكوارث في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، فإن ذلك لا يظهر عندما يتعلق الأمر بتقاريرها عن إيران. ويعتقد معظم الأميركيين أن ذلك البلد يديره ملالي مجانين يكرهون الولايات المتحدة، وأنه، على حد تعبير الرئيس دونالد ترامب، "دولة إرهابية". ولا يحمل الأميركيون هذه الصورة لإيران بالصدفة، وإنما لأن هذه هي الطريقة التي يتم بها تقديم هذا البلد في وسائل الإعلام.
يبدو أن الحقيقة عن قيام الحكومة الأميركية (مع بعض المساعدة من البريطانيين) بالإطاحة بحكومة إيران المنتخبة ديمقراطياً في العام 1953، ودعمها لهجوم صدام حسين على إيران في العام 1980 الذي أسفر عن مقتل أكثر من مليون شخص، قد اختفت في ثقب الذاكرة.
تتمثل إحدى نقاط قوة الكتاب في تحليله للعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران بعناية، وبطريقة تضع الأمور في نصابها حول أمور مثل تطوير البنية التحتية النووية لإيران. فبينما كان الشاه في السلطة، أهالت واشنطن محطات الطاقة النووية على إيران، بما في ذلك تكنولوجيا تخصيب الوقود النووي، حتى على الرغم من أن الأميركيين كانوا يدركون أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تطوير أسلحة. وفي واقع الأمر، كانت هذه بالضبط هي الكيفية التي أنتجت بها الهند سلاحها النووي الأول في العام 1974.
كما يحلل إرليش أيضاً كل شيء، من البنية الطبقية إلى العرقيات المعقدة في إيران، ويشرح الكيفيات التي تعمل بها الجمهورية الإسلامية سياسياً واقتصادياً. وبينما يظل إرليش منتقداً لسياسة الولايات المتحدة الخارجية منذ أمد بعيد، فإنه ليس معجباً بمؤسسات إيران السياسية. صحيح أن إيران أكثر ديمقراطية بكثير من أنظمة الحكم المطلق في الخليج الفارسي -التي تتحالف واشنطن معها بشكل وثيق- لكنها تظل بالكاد ديمقراطية.
يكتب إرليش: "تخضع إيران لحكم عصبة رجعية ديكتاتورية تضطهد شعبها. ومع ذلك، فإن هذا لا يجعل إيران تشكل تهديداً للأميركيين". إن ما تهدده طهران فعلاً هو "مصالح النخبة السياسية والعسكرية والشركات، التي تدير الولايات المتحدة". وقد قدمت إيران في مناسبات عدة مبادرات للسلام مع الولايات المتحدة، والتي تم رفضها جميعها.
إن إيران بلد له تاريخ طويل جداً، ولشعبه حس قوي بالقومية، حتى لو كان معظم السكان ليسوا مغرمين بشكل كبير بالنظام السياسي الإيراني من أعلى إلى أسفل وبتدخل رجال الدين في الحياة اليومية. ولذلك، فإن الاعتقاد بأن الشعب الإيراني سوف ينهض ويطيح بحكومته بسبب العقوبات أو في حالة وقوع هجوم عسكري على الحكومة، هي، وفقاً لإرليش، وهم محض.
يغطي كتاب "الأجندة الإيرانية اليوم" الكثير من الأرضية من دون أن يقع في فخ السرد المفرط في التفصيل لآلاف السنين من التاريخ. ومن المؤكد أنه يوفر سياقاً تاريخياً كافياً لاستنتاج أن أي هجوم على إيران -والذي ستشارك فيه على الأرجح السعودية والإمارات العربية المتحدة، وربما إسرائيل، أيضاً- سيطلق العنان لفوضى إقليمية ذات تداعيات دولية.
سوف تكون مثل هذه الحرب في الأساس حرباً جوية -فحتى إدارة ترامب ليست مجنونة بما يكفي للتفكير في غزو بري لدولة شاسعة يقطنها نحو 80 مليون شخص- والتي ستلحِق بالتأكيد ضرراً هائلاً. ولكن إلى أي حد؟ لن تستسلم إيران أبداً، وسوف يتجمع شعبها للدفاع عن بلادهم. كما أن طهران قادرة تماماً على رد الضربة باستخدام وسائل غير تقليدية. وقد ترتفع أسعار النفط، وتشهد الدول التي تواصل التعامل مع إيران -الصين وروسيا وتركيا والهند، كبداية- معدلات نموها وهي تتضرر. ولن يدعم أي بلد أوروبي مثل هذه الحرب.
بطبيعة الحال، تبقى الفوضى شيئاً تبرَع في إدارة ترامب، وسوف تعاني إيران على المدى القصير من جرح مؤلم. لكن طهران سوف تتحمل الضربة وسيكون الأميركيون قد انخرطوا أيضاً في حرب أبدية أخرى -هذه المرة مع عدو أكثر قوة بكثير من قبائل البشتون في أفغانستان أو الجهاديين في العراق.
ربما يحصل السيد بولتون، ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على حربهم، لكن الحرب تبقى شأناً يعوزه اليقين إلى حد كبير. وكما لاحظ الفيلد مارشال البروسي، هيلموت فون مولتكه، أحد مؤسسي الحرب الحديثة، ذات مرة، فإنها "ليست هناك خطة يمكن أن تصمد أمام الاشتباك مع العدو".
لقد كتب إرليش، الفائز بجائزة بيدبودي ومؤلف خمسة كتب، تحليلاً جاء في وقته لسياسة الولايات المتحدة الخارجية تجاه إيران، والسبب في أننا نحن -والعالم- نتجه في حال واصل بلدنا مساره الحالي، إلى نفق مظلم، طويل.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Iran: Rumors of War