إيران وخياراتها تجاه الأزمة السورية

بعد انقضاء عامين على الثورة السورية، لم تتغير السياسة الخارجية الإيرانية تجاه هذه الثورة؛ فمن إنكار لمشروعية المطالب وربط الأحداث بالتحريك من الخارج، إلى اعتراف بضرورة الإصلاح ولكن في ظل النظام السياسي السوري بوصفه مبادرا وراغبا في الإصلاح. ثم تطور الموقف إلى محاولة الحديث مع المعارضة السورية، والدفع نحو حل بحضور أعضاء في النظام السوري.اضافة اعلان
الموقف كما يبدو الآن، يركز على توجيه الانتقادات إلى الحراك السياسي من أطراف مختلفة نحو تعزيز حضور المعارضة السورية، لاسيما الائتلاف السوري، في المجتمع الدولي، عبر الاعترافات، وعبر منح الائتلاف مقرات السفارات السورية، والدعوة إلى تشكيل حكومة مؤقتة تدير الأراضي التي خرجت عن سيطرة النظام السياسي. وهذه الانتقادات تأتي متزامنة مع عدم نجاح روسي-صيني في منع ذلك الحراك السياسي الدولي خارج الأمم المتحدة. ورغم أن هذا الحراك ينظر إليه بأنه في حده الأدنى، إلا أنه يبدو غير مرحب به، وربما مزعجا للحكومات التي ما تزال تساند النظام السوري.
إيران التي بدأ العد التنازلي فيها لانتخابات رئاسية وسط مشهد سياسي داخلي منقسم، تبدو قد خسرت كثيرا من الدفء في علاقتها مع تركيا. وخسارة تركيا التي طالما دافعت عن سلمية البرنامج النووي الإيراني، وسعت إلى إنعاش الدبلوماسية عبر مبادرتها مع البرازيل، جاءت مستندة بشكل أساسي إلى الأزمة السورية، وتباين مواقف البلدين منها. يضاف إلى ذلك الاختلاف القديم الجديد حول السياسية الإيرانية نحو العراق، وما تراه تركيا من دعم جزء من الشعب العراقي على حساب جزء آخر لا يقل أهمية؛ في إشارة إلى دعم الشيعة على حساب السنة. ويتضافر ذلك مع الغضب الإيراني من مستوى المساندة التي يلقاها إقليم كردستان العراق من قبل تركيا، والذي يقلل من سيادة الحكومة المركزية العراقية المرتبطة بعلاقة جيدة مع إيران.
مع ازدياد التعقيد في المشهد الإقليمي، ولاسيما بسبب تأخر الحسم للأزمة السورية، تبدو إيران أمام خيارات محدودة. فالمحافظة على النظام السوري بشكله الحالي، وبجميع أوراقه، باتت أمرا شبه مستحيل؛ ذلك أن بنية الدولة قد تهشمت إن لم تكن دمرت، والانقسام المجتمعي يتزايد، وإيران تبدو بشكل أو بآخر أحد أهم المتأثرين سلبيا بهذا كله. كما أن محاولة الدفع نحو حل يؤمن لها موطئ قدم في سورية المستقبل تتراجع يوما بعد يوم، لاسيما مع الدفع بقوة بالائتلاف السوري نحو المشهد السياسي الإقليمي والدولي، بدون حصول أي حديث مع الائتلاف الذي يرى أن إيران جزء من المشكلة في سورية. يضاف إلى ذلك أن حليف إيران الاستراتيجي؛ حزب الله، في وضع ليس بأفضل من إيران من حيث العزلة السياسية والشعبية، خصوصا مع زيادة الحديث عن تدخل مباشر في العمليات العسكرية إلى جانب قوات النظام السوري. وفي هذا السياق، لا يجب إغفال ما تتركه تطورات المشهد السياسي العراقي من ضغوط على إيران التي طالما كانت تأمل في أن يبقي العراق في دائرة الأزمة القابلة للإدارة. لكن لا يبدو أن ما يحدث في العراق هو أيضا أزمة قابلة للحل قريبا، الأمر الذي يزيد من أعباء السياسة الخارجية الإيرانية.
أمام تراجع أدوات القوة الناعمة التي كانت تتمتع بها إيران في المنطقة العربية، وذلك بسبب ما أحدثه "الربيع العربي"، يبدو أن إيران قد تصبح أكثر ميلا إلى سياسة خارجية خشنة؛ بمعنى أن فيها قدرا من المواجهات الدبلوماسية مع الدول التي تخالفها في مواقفها السياسية. وستزيد من ذلك الضغوط الدولية المرتبطة ببرنامجها النووي، والتي ستجعل إيران أكثر ميلا إلى خطاب أكثر قوة في إظهار موقفها وسياستها الخارجية.

[email protected]