إيهاب الشريف.. من يتحمل المسؤولية؟

باستثناء إشارات إدانة هنا وهناك، غاب مقتل السفير المصري في العراق، إيهاب الشريف، عن أية وقفة تحليل. ربما كان المبرر المنطقي لهذا الغياب هو أن رعب الجريمة تزامن مع رعب أكبر، عالمي الدوي والتأثير، أي تفجيرات لندن.

اضافة اعلان

 وربما من ناحية أخرى، وهذا صحيح بقدر ما ينطوي عليه من ألم، لأننا وطّنا انفسنا بأن كل شيء ممكن في العراق، وأن الموت بات جزءا من ملامح حياة العراق اليومية، بحيث يغدو مقتل الشريف شيئا "مألوفا!" و"طبيعيا!" في ظل السياق العام اللاطبيعي واللاعقلاني هناك، منذ الاحتلال الأميركي.

برغم ذلك، حمل اختطاف السفير المصري وقتله لاحقا خصوصية تستحق التوقف من ناحيتين؛ أولاهما أن اختطاف الشريف ما لبث أن تلته محاولة لاختطاف القائم بأعمال السفارة البحرينية، وأخرى لاغتيال السفير الباكستاني في بغداد. أما الناحية الثانية التي تبدو ملفتة في قضية الشريف، فتتمثل في ما ظهر جليا من عدم رغبة خاطفيه، تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، في التفاوض بشأنه، رغم أهمية موقع الرجل كسفير لدولة بوزن مصر. بل تمت إحالته مباشرة إلى ما قال التنظيم إنه "المحكمة الشرعية!" التي قررت أنه مرتد يستحق القتل! وليصار إلى تنفيذ الحكم بسرعة لافتة للنظر!

إذا ما وضعنا تفسيراتنا كلها في سلة واحدة وقالب واحد هو الإرهاب، بالمعنى الحقيقي للكلمة، فليس هناك ما يستدعي التوقف والتفسير، فغاية الإرهاب من اسمه هي القتل وإشاعة الرعب كغاية بحد ذاتها، وبما يعفي البقية الباقية من الفاعلين على الأرض من أية مسؤولية، ولتتفادى بالتالي أية محاولة للتقويم والمراجعة تقتضيها مثل هذه المسؤولية.

لكن إذا رفضنا تفسير الإرهاب وحده، فيمكن لنا القول إن جزءا من المسؤولية عن استهداف الديبلوماسيين العرب (والمسلمين) تحديدا، تتحمله السياسات العربية المرتبكة، إن لم تكن الغائبة، تجاه العراق. فأغلب الدول العربية، إلا القلة القليلة، لم تدرك أهمية وجود تمثيل ديبلوماسي لها في العراق أيا كان موقفها من الغزو الأميركي والحكومة العراقية الموجودة منذ ذلك الحين. إذ نزعم أن مثل هذا الوجود العربي، وطالما أكد وسعى إلى مساعدة الشعب العراقي قبل أي كان، فإنه لا يمنح الشرعية للاحتلال وسياساته في العراق، بل سيكون عاملا مهما جدا لموازنة التأثير الاميركي السلبي، ومحاولة التوفيق بين الكثير من الفصائل العراقية، بما يخدم وحدة العراق بطوائفه كافة.

نتيجة لذلك الخطأ، كما بسبب الضغوط الأميركية على الدول العربية لإقامة تمثيل ديبلوماسي مع العراق لمنح الشرعية للحكومة العراقية، فقد بات البعض، من داخل العراق وخارجه، ينظرون إلى أي تعاون مع الحكومة العراقية بشكل قاصر، معتبرين إياه تنفيذا للرغبات والأجندة الأميركية في العراق ليس إلا، وأن استهداف الديبلوماسيين العرب، بالتالي، هو جزء من استهداف قوات الاحتلال والمتعاونين معه!

مثل هذا التفسير يفترض بالضرورة تحميل المسؤولية للمقاومة العراقية عن جريمة قتل السفير الشريف، ورغم أنه لا يمكن تصور صدور هذه الجريمة عن المقاومة العراقية، التي اعترفت الولايات المتحدة بوجودها من خلال إجراء مفاوضات معها أو مع بعض فصائلها، لكن تظل الحقيقة هي أن هذه المقاومة تتحمل في الواقع جزءا من المسؤولية عن كل الأعمال الإرهابية التي تجتاح العراق!

السبب في ذلك أن المقاومة العراقية ارتضت أن تستغل من قبل جماعات إرهابية تستهدف العراق أساسا وليس الاحتلال الأميركي، واستغلال أعمال تلك الجماعات من قبل الولايات المتحدة لتشويه صورة المقاومة. وبالتالي، فإن وضع حد لهذا الاستغلال المزدوج والمتكامل يستدعي من المقاومة العراقية أن تعلن عن نفسها بشكل واضح، محددة أهدافها ومطالبها، والتي لابد وأن تشمل -باعتبارها صادرة عن مقاومة وطنية- الحرص على مصالح العراق الوطن، وحماية المواطن العراقي أيا كان الموقف من الحكومة العراقية والخلاف معها، ولتربأ هذه المقاومة بنفسها عن عمليات لا يختلف كل من ملك الحد الادنى من الاخلاق على أنها عمليات إرهابية.

[email protected]