اتركوا صراعاتكم الداخلية، فالتحديات حقيقية

كان للأزمة الاقتصادية العالمية آثارها على الأردن بجوانبها الإيجابية والسلبية، فانخفضت معها فاتورة استيرادنا من النفط بفعل انخفاض أسعاره العالمية، وانخفضت فاتورة المستوردات لنفس السبب أيضا، ووصل احتياطي البنك المركزي من  العملات الأجنبية إلى مستويات غير مسبوقة.

اضافة اعلان

هذا في نفس الوقت الذي ما زالت القطاعات الاقتصادية تشهد فيه حالة متأرجحة بين الجمود كالعقار وكالسياحة، التي أطلت إنفلونزا الخنازير لتثير مخاوف أطرافه في القطاعين العام والخاص، على الموسم السياحي ونحن نعيش في أوجه ومخاوف السلطات السياحية العالمية أيضا، وتراجع الصادرات وإعادة التصدير، كل هذا مما أثر على تراجع إيرادات الخزينة بشكل غير دراماتيكي حتى الآن.

كل ذلك مصحوبا بتوقعات بتزايد عجز الموازنة إلى مستويات غير آمنة تقترب من حدود البليون دينار، ونذر ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما ينشط عوامل دفع التضخم ليعود إلى الواجهة، ليصبح الهاجس الاقتصادي والنقدي والاجتماعي لصناع القرار، مصحوبا بعدم استقرار سوق النفط ومخاطره ومعدل البطالة المرشح للارتفاع وزيادة جيوب الفقر.

لذلك يبدو المشهد الاقتصادي الأردني ضبابيا حتى الآن، ولم يخرج من عنق الزجاجة بعد، وتعتريه متغيرات خارجية عالمية وإقليمية بامتداداتها الداخلية، وفصول الأزمة الاقتصادية العالمية تتوالى، اقتصادية وسياسية واجتماعية وغذائية وأمنية، فأطاحت بالإدارة الجمهورية في أميركا ووصل إلى البيت الأبيض رئيس في حملة تاريخية كان عنوانها "التغيير".

كما أطاحت برئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وما زالت تعصف بأركان حزبه حتى هذه اللحظة، وكادت أن تأتي على منجزات الرئيس الروسي بوتين على مدى عشر سنوات حقق فيها لروسيا نقلة جعلت مواطنيه يلقبونه "بالقيصر" وما زال حتى الآن يحاول لملمة الوضع الاقتصادي الداخلي ليحافظ على ما حققته روسيا في عهده.

ولم يجرؤ حتى الآن مسؤول عالمي واحد سياسيا كان أو اقتصاديا على تأكيد الخروج من الأزمة، أو الاقتراب من قاعها، فما يقوله مسؤول اليوم يعود لينفيه مسؤول آخر غدا، ويعدله مسؤل ثالث بعد غد، فعدم الاستقرار وعدم اليقين ما زال هو الطابع الذي لا خلاف بينهم حوله، وسط جو اتهامي بأن السياسيين لم يشمروا عن أذرعهم كفاية لحل المشاكل التي خلقوها بتراخيهم.

فالهند تتهم الصين بممارسات وتكتيكات تجارية تضر بمصالحها، ورئيس صندوق تعويض ضحايا 11 سبتمبر (أيلول) والذي عينه الرئيس الأميركي حديثا لتحديد مدى حرية الشركات الأميركية التي استفادت من خطة الدعم الحكومية في دفع المكافآت لإداراتها العليا يقول أن ممارساتها كانت سببا في خلق الأزمة الاقتصادية العالمية.

وإقليميا، حملت الشهور القليلة الماضية تغيرات لها انعكاسات بالغة الأهمية على مجمل المشهد الأردني، فوصل اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى الحكم، وبرنامجه يمثل تحديا اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، هذا وسط انقسام فلسطيني سرطاني قاتل بات يمثل وجعا أردنيا حقيقيا، بينما الانتخابات الإيرانية حبلى بما يصعب التنبؤ بآثاره، بامتداداته على مختلف قوى الإقليم.

يحتاج الأردن اليوم إلى تركيز جهوده على بلورة استراتيجية اقتصادية وسياسية لمواجهة هذه التحديات، بدلا من الدخول في معارك تسوية الحسابات الصغيرة بين الإعلام ومجلس النواب، وبين النواب أنفسهم وبين النواب والحكومة ، والاختلاف حول من بدأ بالشتم أولا.

الجميع، إعلاما ونوابا وحكومة مطالبون بالنزول من على الشجرة التي صعدوا إليها وعلقوا أنفسهم على أغصانها الرقيقة، وذلك لنتجنب سقوطها بمن عليها على رأس المواطن الباحث عن عمل يطعم منه أسرته والمواطن الذي ينتظر منهم تشريع قانون ضريبة دخل يحقق العدالة، وتشريع قانون ضمان اجتماعي يضمن له الحياة الكريمة، ورؤيا سياسية تصون له وطنه وسط ازدحام تشريعي في فترة زمنية قصيرة لن ترحمهم.