اتفاقية كامب ديفيد بين الاستمرار والإلغاء

من القضايا اللافتة للنظر السرعة التي يتم بها رفع الشعارات المطالبة بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد من قبل الجماهير المصرية، ففي أعقاب القتل الإسرائيلي لعناصر من الجيش المصري في طابا، احتدمت هذه الشعارات ورفعت في أيدي المحاصرين للسفارة الإسرائيلية في القاهرة أياماً متتالية. من جانب ثانٍ فإن المجلس العسكري الأعلى في مصر والذي يتسلم زمام الأمور، كان واضحاً في إعلانه فور تسلمه الحكم: بأنه حريص على الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها الحكومات المصرية السابقة. هذا النص طمأن الإدارة الأميركية وإسرائيل، لكنه الاطمئنان المؤقت، فكل من البلدين يدرك مدى الرغبة الجماهيرية المصرية في إلغاء هذه الاتفاقيات المشؤومة.اضافة اعلان
الولايات المتحدة وحليفتها الاستراتيجية الأولى، تريدان حواراً استراتيجياً مع المجلس العسكري الأعلى في مصر، خلال المرحلة الراهنة لقطع الطريق مستقبلاً على أي رئيس أو مجلس شعب مصري يريد إلغاء المعاهدة، هذا ما تناولته الصحف المصرية مؤخراً، وعلّق عليه كثيرون من الكتّاب المصريين، وفي محاكمة موضوعية لمصير الاتفاقية على صعيد المستقبل يمكن قول ما يلي: 
أولاً: إن أي نصوص قد يلتزم بها المجلس العسكري الأعلى المصري بالنسبة للحفاظ على فعالية هذه الاتفاقيات من خلال تقييد الرئيس المقبل أو مجلس الشعب الذي سينُتخب، بها، ليست ذات قيمة مطلقاً، فبإمكان الرئيس أو المجلس تجاوز هذه النصوص وإحالتها إلى استفتاء جماهيري.
ثانياً: إن المسلكية الإسرائيلية في التعامل مع ما يسمى باتفاقيات السلام مع بعض الدول العربية، قائمة على الصلف والعنجهية والاستعلاء والنظر بدونية إلى الآخرين (الأغيار) من العرب، وتنطلق من محاولة الهيمنة والتفوق بحيث لا تُعطي لمطلق نظام عربي، إمكانية إقناع الجماهير العربية، بها، فمثلاً إسرائيل رفضت الاعتذار لمصر عن حادثة قتل الجنود، وإنما أعربت عن أسفها للحادث.
ثالثاً: إن ضغوطاً أميركية وأوروبية وإسرائيلية هائلة مورست (وفقاً لأنباء ومصادر إعلامية عديدة) على المجلس العسكري المصري، وما تزال تُمارس، من أجل التمسك باتفاقيات كامب ديفيد، والمحافظة عليها مصرياً. بالطبع هذه الضغوطات مرتبطة بمساعدات مالية وأخرى عسكرية وأخرى عينية تقدم سنوياً لمصر وبخاصة من الإدارة الأميركية. ومن أجل الإلغاء لهذه الاتفاقية المُذِلّة، لا بد من توفر عناصر صمود واكتفاء اقتصادي وسلعي ذاتي في مصر، وتحقيق هذه الأهداف مرهون بإدارة الحكم القادم، ومدى صلابته في الوقوف والصمود أمام ضغوطات هائلة ستمارس عليه. رابعاً: إن مصر هي الدولة العربية الأكبر والأقوى ومقولة "لا سلام بدون مصر ولا حرب بدونها أيضاً"، هي مقولة صحيحة إلى حدٍّ كبير. إن ما جرى في مصر من تغيير نوعي بحاجة إلى استكمال منجزاته، فقوى الشد العكسي ما تزال فاعلة، وما تزال تحاول إعادة مصر إلى الحضن الأميركي-الإسرائيلي. الانتصار على كل هذه القوى يتم بوحدة شعارات المعارضة، واصطفافها في جبهة واحدة. بالتالي فمن المنطقي إلغاء اتفاقية كامب ديفيد وذلك بالمعنى الاستراتيجي، غير أن إمكانية إلغائها على المدى القريب المنظور مرتبطة بتحقيق الكثير من العوامل، والتي هي غير موجودة حالياً للأسف، وتحقيقها بحاجة إلى جهود كبيرة، وأنوية هذه الجهود قائمة. المهم: الإمساك بها وتطويرها واتخاذها عناوين سياسية رئيسية، وفيها تكامل كبير بين الخاص الوطني والعام القومي، فهذان العاملان هما ضمانة كبيرة من أجل الانتصار.