اتفاق غير أخلاقي

توصلت تركيا والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق "تاريخي"، حسب وصف مسؤول تركي، يقضي بوقف تدفق موجات اللاجئين السوريين إلى دول أوروبا مقابل مساعدة مالية لتركيا بلغت 3 مليارات دولار، وتسهيلات خاصة للأتراك للحصول على تأشيرات لدخول أوروبا.اضافة اعلان
الاتفاق تاريخي صحيح، لكنه مقايضة غير أخلاقية من الطرفين. لقد استقبلت تركيا مثل دول جوار أخرى لسورية، لاسيما الأردن ولبنان، مئات الآلاف من اللاجئين. وعندما شعرت بالحمل يزيد على كاهلها، فتحت الباب لرحلات القوارب غير الشرعية إلى أوروبا؛ رحلات تسببت بموت المئات من السوريين في عرض البحر.
أوروبا، ومن منطلقات إنسانية، فتحت حدودها للاجئين في بداية الأمر. لكن مع استمرار تدفق الآلاف منهم، قررت التنازل عن مبادئها الإنسانية والتزاماتها الأخلاقية تجاه اللاجئين، فتوجهت إلى تركيا لعقد صفقة، تغلق فيها الأخيرة البحر في وجه اللاجئين مقابل 3 مليارات دولار. هكذا، وببساطة، جرى التلاعب بحياة البشر، وتوظيفهم لإبرام صفقات رابحة.
تركيا أعلنت مرارا أنها غير مسؤولة عن رحلات القوارب غير الشرعية إلى أوروبا، وتحاول منعها بشتى الطرق، خاصة بعد هلاك الأطفال والنساء على يد تجار البشر ومافيات المهاجرين. لكن بعد الاتفاق الأخير، تبين أن السلطات التركية كانت تدبر هكذا سيناريو للضغط على الأوروبيين، ودفعهم لتقديم الأموال مقابل تخليصهم من عبء اللجوء.
اليوم، يصبح السؤال مشروعا: هل تتحمل تركيا المسؤولية عن موت المئات غرقا في البحر؟ إذا كان الجواب بالنفي، فكيف تفسر قرارها بمنع تلك الرحلات بمجرد توقيع الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي؟
وموقف الاتحاد الأوروبي هو الآخر مخجل وغير أخلاقي؛ فبأي حق تغلق دول الاتحاد حدودها في وجه اللاجئين، بينما تطالب دولا مثل الأردن، شحيحة الموارد والطاقات، باستقبال المزيد من اللاجئين؟! ثمة قدر كبير من العنصرية في سلوك الأوروبيين، تبدى على نحو فاضح في الاتفاقية المخجلة مع الأتراك.
إن واجب الاتحاد الأوروبي وجميع الدول الغنية، ليس مساعدة دول الجوار السوري على تحمل أعباء اللجوء فحسب، وإنما أيضا تقاسم المسؤولية معها، باستضافة المشردين من ديارهم أسوة بدول العالم.
لقد قبلت تركيا على نفسها المتاجرة بمعاناة اللاجئين، وقبل الاتحاد الأوروبي أيضا التنازل عن مبادئه لحماية أمنه من دون أن يعير معاناة البشر أي اهتمام.
من حق تركيا والأردن ولبنان أن تحصل على مساعدات لتحمل كلف استضافة اللاجئين، لكن من غير اللائق أبدا تحويلهم إلى سلعة والمتاجرة بهم.
قرار إغلاق أوروبا بوجه اللاجئين السوريين، يعني معاقبتهم فوق تشريدهم. منذ الآن، على السوريين أن يتحملوا حياة الذل حيث يعيشون؛ العمل مقابل أجور متدنية جدا، وفرص تعليم محدودة ترمي بنصف أطفالهم إلى الشوارع، ناهيك عن مضايقات الأجهزة الأمنية وسلطات الهجرة.
مئات الآلاف من هؤلاء ليسوا بحاجة للالتحاق بتنظيم "داعش" كي يتحولوا إلى إرهابيين؛ يكفي اتفاق كالذي وقع بين تركيا والاتحاد الأوروبي لجعلهم إرهابيين من تلقاء أنفسهم، وعندها سيندم كل مسؤول وضع توقيعه على هكذا اتفاق.