احتمالات الحرب الغامضة

التصعيد غير المسبوق الذي تقوده الولايات المتحدة  منذ  إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 8أيار(مايو) انسحابه من الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع القوى الكبرى العام 2015،  وما تبعه من إعادة فرض عقوبات  متعددة على إيران ، بات يأخذ اتجاهات استراتيجية غامضة تتجاوز تسويات الاستراتيجية المتوقعة نتيجة تسوية الاوضاع في سورية ، ما يجعل احتمالات أن تخرج الأمور من نمط إدارة الصراع التقليدي واردة وتحسب المفاجآت يوما بيوم.  اضافة اعلان
الأوضاع في إيران تزداد تعقيدا في ضوء ازدياد وقع تأثيرات خطة الحصار والعقوبات الأميركية الجديدة والتي تتضمن 12 خطوة اجرائية بهدف التضييق على النظام الايراني وسقاطه من الداخل ؛ وهذه الاستراتيجية وهي قيد التنفيذ حاليا، تتركز في محاولة منع إيران من الاستفادة من أي عوائد نفطية أي منعها عمليا من تصدير النفط وممارسة ضغوط اقتصادية ومالية هائلة وتشكيل تحالف دولي واقليمي لممارسة هذه الضغوط ، وفي الداخل استهداف البنية الاقتصادية والصناعية الإيرانية ومنع حصول إيران على الذهب مقابل العملة ، وحصار البنك المركزي الإيراني ، واخراج عشرات الشركات والمؤسسات الغربية  العاملة في إيران والتي يعتمد عليها الاقتصاد الإيراني ، ومنع وصول الغذاء والدواء  وخلق حالة من الفوضى في الداخل بفعل الضغوط الاقتصادية وهو ما بدأ بالفعل في الاسابيع الاخيرة حيث  وصل تردي الأوضاع المعيشية وتراجع الريال الإيراني الى درجة غير مسبوقة. 
الخطة الأميركية تمضي بسرعة كبيرة وتبدو اثارها واضحة بينما اخذت ردود الافعال الإيرانية الرسمية متفاوتة من اقالة وزير الاقتصاد والشؤون المالية وصولا إلى استجواب الرئيس الإيراني من قبل البرلمان وسط نذر بحالة فقدان ثقة بين النظام وقواعده الشعبية التقليدية ومن المتوقع ان تزداد الحالة تعقيدا بسرعة وخلال الاسابيع القادمة وقبيل نهاية هذا العام ، في المقابل لا توجد مؤشرات كبيرة ترجح اقدام الولايات المتحدة على توجيه ضربة عسكرية قوية لطهران نظرا للكلف المادية الكبيرة لمثل هذا العمل الى جانب الكلف السياسية الباهظة وسط غياب الحد الادنى من التوافق الدولي حول الخطوات الأميركية وهو الامر الذي لا يتوقف على المواقف التقليدية للصين وروسيا بل يتجاوزها إلى دول أوروبا الغربية . 
لا شك ان النخبة الأميركية الجديدة  الممثلة بالرئيس الأكثر اثارة وتطرف في تاريخ الرئاسة الأميركية ومن حوله من رجال ونساء لديهم خطة  اخرى للمنطقة تستكمل مسار التغيير والفوضى الذي اجتاح المنطقة منذ العام 2011، ولكن  يبدو هذه المرة يبدو انها تستهدف المناطق الأكثر استقرارا ، فالتوقعات لا تذهب اليوم الى ان الولايات المتحدة هي من سيطلق الرصاصة الاولى بل ان الضغوط المتوالية على طهران سوف تدفعها الى عمل عسكري ما سواء كان مباشرا وهو مستبعد او من خلال اذرعها الاستراتيجية الممتدة من العراق حيث يوجد نحو 180 ألف جندي او سورية حيث توجد قوات أميركية في الشمال السوري أو في اليمن حيث القطع العسكرية والبروارج الأميركية وسفن النفط تجوب المضائق الدولية وهي في مرمى نار حلفاء إيران. 
الولايات المتحدة تسعى الى خلق حالة جديدة في سوق النفط العالمي عبر حملة من الضغوط السياسية والاستراتيجية والاقتصادية لمستهلكي النفط الإيراني بهدف الوصول الى تشرين الثاني القادم وقد اكملت طوق الحصار واوقفت تصدير النفط الإيراني ، وتعويض السوق العالمية بنفط سعودي ، فالعالم المستهلك للنفط الإيراني في أوروبا واسيا  يعرف تماما ماذا يعني اغلاق مضيق هرمز وتهديد أمن البحر الأحمر واغلاق باب المندب، فهناك 40 % من الانتاج العالمي من النفط يمر من هنا ، وتصدر السعودية نحو 88 % من نفطها عبر مضيق هرمز بينما تصدر كل من إيران والكويت وقطر والإمارات كل نفطها من هذا المضيق بينما يعد مضيق باب المندب الأكبر عالميا في تصدير نفط حيث يمر منه نحو 4.8 مليون برميل يوميا .
صحيح ان النخبة الأميركية تسعى الى تغيير قواعد لعبة النفط في العالم ، وتأمين قلب العالم الجديد ، ولكن في العمق يشتعل كل هذا التأزيم من اجل خدمة الاجندة الإسرائيلية للنصف الأول من القرن الحادي والعشرين .