احتياطيات البنك المركزي: هل الأكبر هو الأفضل؟!

تحتفظ البنوك المركزية عادة باحتياطيات من العملات الأجنبية والذهب لأهداف عدة تأتي في مقدمتها مواجهة تدهور أداء ميزان المدفوعات وما يتركه من آثار سلبية على سعر الصرف، بشكل خاص، وعلى استقرارالاقتصاد الكلي بشكل عام. كما تستخدم هذه الاحتياطيات لتمويل مشتريات الحكومة من السلع والخدمات الأجنبية وتسديد أقساط وفوائد الديون الخارجية.

اضافة اعلان

أما أبرز مصادرها فقد يكون الأداء الاقتصادي القوي الذي يحقق فائضاً في الحساب الجاري، أو تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر، أو الاقتراض الخارجي، أو عوائد التخاصية، أو الأموال الساخنة التي تبحث عن فرص ربح سريع مثل الفرق بين أسعار الفائدة على عملة الدولة المعنية والعملات الصعبة.

وقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة كبيرة جداً في مستوى الاحتياطيات لدى البنوك المركزية وخاصة في أعقاب أزمة دول جنوب شرق آسيا في تسعينيات القرن الماضي وتجربتها المريرة مع صندوق النقد الدولي، وارتفاع أسعار النفط العالمية، والأداء المذهل للاقتصاد الصيني، الأمرالذي مكّنه من تحقيق فوائض ضخمة وجعل الصين تتصدر قائمة الدول من حيث حجم الاحتياطي من العملات الأجنبية.

 وعلى المستوى الوطني فقد سجلت احتياطيات البنك المركزي ارتفاعاً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، كما سجلت نمواً قياسياً خلال العام الماضي بلغت نسبته 40% لتصل الى حوالي 10.6 بليون دولار، حيث جاء الجزء الأكبر من هذا النموعن طريق الشراء المباشر من البنوك التجارية.

 وفي الوقت الذي يدرك فيه الاقتصاديون صعوبة تحديد مستوى مناسب من الاحتياطيات يمكن تعميمه على المستوى العالمي نظراً لخصوصية الاقتصادات المختلفة، فقد وضعوا عدداً من المعايير التي يمكن للبنوك المركزية الاستئناس بها في هذا الاطار، لعل من أهمها حجم الديون الخارجية قصيرة الأجل، أي تلك التي تستحق خلال سنة او أقل؛ ونسبة الاحتياطيات إلى عرض النقد، حيث تتراوح هذه النسبة ما بين 5 – 20% حسب نظام سعر الصرف المتبع؛ وتغطية مستوردات الدولة من السلع والخدمات، حيث تم تحديد المستوى الملائم بثلاثة أشهر.

وعند تطبيق هذه المعايير نجد ان المستوى الحالي لاحتياطيات البنك المركزي يتجاوزها جميعاً، حيث تبلغ الاحتياطيات أكثر من ضعفي إجمالي الدين العام الخارجي، علماً بأن الدين المذكور هو دين طويل الأجل وليس قصير الأجل، أما نسبتها إلى عرض النقد فتبلغ قرابة 39 %، أي أنها تتجاوز الحد الأعلى بحوالـي 19 نقطة مئوية، كما يغطي مستوى الاحتياطيات الحالي ما يزيد عن سبعة أشهر من المستوردات.

أخيراً فإننا ندرك أهمية هذه الاحتياطيات ودورها في تعزيز الثقة في الاقتصاد، ورفع تصنيفه الائتماني، وتوفير ضمانة للاستثمار الخارجي، ولكننا نؤكد في الوقت ذات أنه يجب النظر إليها كوسيلة وليس كغاية بحد ذاتها، آخذين بعين الاعتبارأن تنامي الاحتياطيات لا يأتي من دون كلفة. وهذا ما سنتحدث عنه في مقال مقبل.