احجية التعليم في الأردن!

محمد عاكف الزعبي

هي فعلا احجية، هذا اقل ما يقال عن الفارق بين مدخلات التعليم ومخرجاته في الأردن، موارد ضخمة تخصص للتعليم تماهي ما تخصصه دول عظمى لهذا القطاع المهم، اما النتائج، بمقياس درجات الطلاب في امتحانات المستوى العالمية، فمخيبة جدا تضع الأردن في المراتب الاخيرة في اغلب المواد.اضافة اعلان
البنك الدولي أصدر تقريرا في أيار (مايو) من العام الماضي يسلط الضوء على واقع الخدمات المقدمة في الأردن. التقرير افرد قسما خاصا للتعليم في المملكة للمقارنة بين مدخلاته (المعلمين، الغرف الصفية، البنى التحتية) ومخرجاته (درجات الطلاب)، كما حاول تفسير الفجوة الهائلة بين الاثنين. يذكر التقرير الحقائق التالية عن واقع التعليم في الأردن:
اولا: الانفاق الحكومي على التعليم يمثل ما نسبته 10.3 % من اجمالي الانفاق الحكومي؛ أي أعلى من متوسط دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) والتي تشمل دولا مثل الولايات المتحدة الأميركية، كندا، فرنسا، المانيا، اليابان، كوريا واستراليا.
ثانيا: نسبة الانفاق الحكومي من الناتج المحلي الاجمالي تساوي 3.4 %، وهي وان كانت أقل من معدلها بالنسبة لدول OECD إلا انها تعد نسبة مرتفعة تضع الأردن في مصاف دول مثل سنغافورة، اليابان، الصين وهونغ كونغ.
ثالثا: 97.4 % من المدارس مزودة بمصدر للكهرباء.
رابعا: 100 % من المدارس تحتوي على دورات مياه (88 % منها تتراوح بين نظيفة بعض الشيء إلى نظيفة تماما)، و90 % من المدارس توفر لطلابها مياه شرب صحية.
خامسا: 96.7 % من الغرف الصفية تحتوي على لوح صفي و97.7 % توفر للمعلم طبشورة أو قلم لوح.
سادسا: 99.6 % من الطلاب يحصلون على مقعد وطاولة، 99.3 % من الطلاب يمتلكون كتاب لغة عربية و97.7 % يمتلكون كتاب رياضيات و99.2 % منهم يمتلكون قلما (رصاص أو حبر).
سابعا: 27 طالبا هو معدل عدد الطلاب في الغرفة الصفية الواحدة، وهو المعدل نفسه في دول مثل كوريا الجنوبية واليابان.
ثامنا: 83 % من المعلمين يحملون درجة البكالوريوس والدبلوما المتقدمة، وتصبح النسبة 95 % باضافة حملة الدبلوما.
تاسعا: نسبة تغيب المعلمين عن صفوفهم لا تتجاوز 2.6 % وهي نسبة جيدة تنسجم مع المعايير العالمية.
عاشرا: اما وقت الحصة فيستغل بشكل جيد، إذ يذهب 4.5 % من الوقت فقط لاغراض غير تعليمية مثل التحضير للحصة والتأكد من الحضور والغياب الخ...، في حين يخصص ما تبقى من وقت لاغراض تعليمية محضة.
في ضوء جميع هذه المعطيات الايجابية يتساءل التقرير، كما يتساءل القارئ الآن: إذا كانت الدولة تخصص موارد ضخمة لقطاع التعليم، والمدارس مزودة بالحد الأدنى من البنى التحتية، والاساتذة متعلمون وملتزمون بحضور صفوفهم وعدم اضاعة الوقت فيها، فما الذي يجعل مخرجات التعليم في الأردن، بمقياس نتائج الطلاب في مواد مثل الرياضيات والعلوم، متدنية جدا؟
اليس من الغريب جدا أن يأتي الأردن في جانب مدخلات التعليم في نفس الخانة مع دول مثل اليابان والمانيا، وأن يأتي طلابه في المرتبة الثانية قبل الاخيرة ضمن الدول المشاركة في امتحان المستوى الدولي ال PISA في مادة الرياضيات؟
يحاول التقرير الاجابة على هذه التساؤلات ويخلص إلى استنتاح مفاده أن هذا التباين بين المدخلات والمخرجات يعود بشكل رئيسي إلى الفجوة بين ما يستطيع المعلم تقديمه وما يقوم فعلا بتقديمه على ارض الواقع. ويرى ان بذل المعلمين جهدا نوعيا افضل داخل الغرف الصفية هو المفتاح لتحسين مستوى التعليم ونوعية مخرجاته.
اما المقاربة التي يعضها التقرير لتحقيق ذلك فمثيرة للاهتمام حقا، إذ يعتقد التقرير أن تقليص الفجوة التي تقدم ذكرها لا يكون عبر المعلم بشكل مباشر وانما يكون عبر مدير المدرسة، وذلك عن طريق ممارسته لسلطته الرقابية على المعلم بشكل فعال.
حيث يجد التقرير علاقة موجبة وذات دلالة احصائية بين اداء المعلم، بمقياس نتائج طلابه، ومستوى الرقابة التي يخضع لها من قبل مديره. بمعنى انه كلما زاد مستوى الرقابة التي يمارسها مدير المدرسة بحق المعلم، بذل المعلم جهدا افضل داخل الغرفة الصفية، فتقلصت الفجوة بين ما هو ممكن وما هو مطبق، وتحسنت نتائج الطلبة.
هذا ما يقوله البنك الدولي في تقريره، وانا لست من اصحاب الاختصاص لاقيم النتائج، لكن الأكيد انها تستحق من اصحاب الاختصاص التوقف عندها ودراستها. فاذا صحت النتائج يكون مدراء المدارس هم المفتاح لتحسين مخرجات التعليم في الأردن، وهذا بدوره سوف يتطلب من صاحب القرار مقاربة جديدة للتعامل مع قطاع التعليم يكون مدير المدرسة هو حجر الزاوية فيها.
إذا نظرنا إلى التقرير من منظور اقتصادي، فالفارق بين المدخلات والمخرجات يشكل مثالا واضحا وحيا على عدم كفاءة الانفاق ويعيد إلى الواجهة من جديد سؤالا مهما هو: هل المشكلة في نقص الموارد ام في كفاءة الانفاق؟