احذروا القنبلة!

أريده شابا ملتزما، مسؤولا، صاحب شخصية قوية ورزينة..

وزادت: أتوق إلى أن يمتلك القدرة على تحمل أعباء الحياة.. وأن يكون لديه إحساس عالٍ بالثقة بالنفس.. والصدق في قول الأشياء وفعله..

اضافة اعلان

أحب أن تكون رجولته مرآة لمعاني الاحترام والتهذيب والثقافة، لا التقليد الأعمى للصرعات الغربية، ولا الغرق في مياه الماضي على علاته الكثيرة!

هكذا ارتسمت مواصفات الشاب الذي تحب الفتاة العشرينية الارتباط به. كانت الفتاة وهي تتحدث تحمرّ وجنتاها من شدة التفاعل مع فكرتها، وكان احمرار الوجنتين يزيدها جمالا وإشعاعا..

تلك الصفات تتمناها الفتاة الأردنية، بعد أن غيرت الحياة اليومية من طباع وسلوكيات وآليات تفكير شبابنا هذه الأيام، لتسيطر الصبغة الاستهلاكية الفارغة على نظرتهم العامة والخاصة لمحيطهم الاجتماعي، وعلى نظرة هذا المحيط إليهم.

وقادتني الصدفة الأسبوع الماضي، لأن أستمع لبرنامج يبث على محطة إذاعية محلية، كان يناقش فكرة إعادة التفكير بإحياء خدمة العلم بمسماها الجديد "خدمة الوطن"، وكانت معظم اتصالات الفتيات الشابات بالبرنامج تؤيد عودة خدمة العلم من جديد في الأردن، وبقوة نابعة من إيمانهن الشديد بأهميتها في صقل شخصية الشباب، وتعليمهم الانضباط في هذا الوقت بالذات، الذي تغيب فيه قيم الانضباط لمصلحة قيم "الزعرنة" والخروج عن القيم، وتحطيم الممتلكات، وتكريس التخلف والجهل!

ولمحت في إصرار الفتيات على عودة "خدمة الوطن" إحساسا بالفراغ الشديد الذي يرونه في شباب اليوم، سواء أكانوا هؤلاء الشباب إخوة لهم أو أقارب أو زملاء في الدراسة والعمل، أو شبابا سائمين في الشوارع والمولات والمقاهي.

عودة "خدمة الوطن" رأتها تلك الفتيات بأنها حاجة ماسة لإعادة تأهيلهم وتقوية حالة الانتماء لديهم تجاه وطنهم ومجتمعهم وأنفسهم.

والظاهر من حديث الفتيات أن قناعاتهن انبثقت من أمثلة عديدة تم طرحها لشخصيات آبائهن بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والذين شكلوا لهن قدوة كبيرة عبر مسارات الحياة المختلفة، حيث يلاحظ بأن عدداً كبيراً من الشباب يعانون من فراغ فكري، وضعف كبير في الوعي بالقضايا العامة، وأمور عدة ساهمت في تفشي ظاهرة العنف المجتمعي بين صفوف الشباب.

التفكير بإعادة خدمة العلم أو "خدمة الوطن" كما رشح من "نوايا" رسمية، يمكن أن يكون من خلال مدة تتراوح بين 6 و12 شهرا لتشمل الفئات العمرية بين 18 و26 عاما ذكورا وإناثا. والفكرة، كما يجري التخطيط لها، لن تكون على شكلها التقليدي، إنما ستتطور لتخدم المجتمع بجوانبه كافة وسيتعلم الشباب من خلالها الانضباط، والنظام، وستساعد على علاج مشاكل الفراغ، وقلة الوعي، والتراخي، وضعف المسؤولية، وعدم القدرة على اتخاذ القرار.

وغياب خدمة العلم منذ أعوام طويلة ساهم بشكل أو بآخر في تفشي ظاهرة العنف الجامعي، وهو نتاج لعنف مجتمعي، بسبب انشغال الشباب بأمور سطحية وشكلية، وتدني مستوياتهم الفكرية، وغياب البعد الثقافي من عقولهم، التي صارت خاوية إلا من قيم التزمت والتعصب والانغلاق!

وأصبح هؤلاء يجدون متنفسات لهم في التعبير عن الفراغ الذي يعيشونه، من خلال استخدام العنف بجميع أشكاله الجسدية واللفظية، وتخريب الممتلكات العامة بطريقة فوضوية وبكل سهولة لعدم إحساسهم الحقيقي بها، ولعدم انتمائهم إلى المكان، وضعف الحس الوطني لديهم.. إنه الفراغ القاتل والمدمر الذي يشوه الروح ويعمي العيون!

عودة "خدمة الوطن" جزء مهم من حل مشكلة الشباب واستثمار طاقاتهم المهدورة. وإن لم يتم التوافق على "خدمة الوطن"، فلنفكر في أي مشروع يحمي هذه الطاقات ويفجرها قبل أن تنفجر في وجوهنا.

قالوا قديما: "من جارَ على شبابه، جارت عليه شيخوختُه"!.

[email protected]