احذروا موت "الربيع"!

كما بدأت نظرية/ خرافة "مؤامرة الربيع العربي" الإمبريالية-الصهيونية في سورية، فقد انتهت هذه النظرية/ الخرافة في سورية ذاتها أيضاً. إذ اليوم، تهاجم ما تسمى "قوات سورية الديمقراطية"؛ المُنشأة والممولة أميركياً، مزودة بغطاء جوي روسي، فصائل المعارضة السورية المسلحة في الشمال، رغم أن "المؤامرة" المتخيلة أو المزعومة، يُفترض أن تنفذها هذه الفصائل! وليس هذا إلا تفصيل جديد يُضاف إلى حقائق أخرى لم يعد بالإمكان إنكارها أو تجاهلها؛ من معارضة إسرائيل إسقاط بشار الأسد، وصولاً إلى تنسيقها الوثيق مع روسيا منذ تدخلها العسكري المباشر في سورية، عدا عن التقارب حد التنسيق بين رأس "المقاومة والممانعة" إيران، و"الشيطان الأكبر!" أميركا.اضافة اعلان
بالنتيجة، لم يعد أحد، ربما باستثناء حسن نصرالله، يتحدث عن حماية بشار الأسد شخصياً؛ ربما كإقرار بأنه لم يعد سوى تفصيل ضئيل، لا يقدم ولا يؤخر وجوده من عدمه بعد هيمنة موسكو وطهران على مصير نظامه، وحتى سورية الواقعة تحت سيطرته ككل. ومن ثم، صارت كلمة السر في تبرير القتل والدمار هي "حماية الدولة السورية" (مُسقطاً منها هنا حتماً ركن الشعب والسيادة).
هكذا تبدو المعادلة الجديدة الواضحة للقائلين "سابقاً" بـ"مؤامرة الربيع العربي"، وهي: إما الديمقراطية (التي تأتي هنا مرادفاً للفلتان الأمني والإرهاب) أو الدولة، وليس الحديث طبعاً عن سورية وحدها.
و"العظة" هنا ذات وجهين: إذ "يفترض" بالشعوب العربية بعد أن عاينت أو عانت ويلات "الربيع العربي" قبول الوضع الذي كان سائداً لعقود قبل العام 2011، حتى وإن لم يكن سبب تلك الويلات إلا الأنظمة ذاتها المطلوب العودة إلى حكمها. في المقابل، وهو الوجه الآخر للحكمة العربية الجهنمية، فإنه "يتوجب" على الأنظمة الاتعاظ بدورها، لكن بزيادة جرعة القمع، بعد أن أثبت "الربيع العربي" أن الجرعات السابقة لم تعد كافية لإخضاع المجتمعات، بدليل خروجها إلى الشارع، ونجاحها في إسقاط أنظمة أو حتى تحديها.
لكن عدا عن حقيقة ندرة الجمع بين انتهاك حقوق الإنسان وتحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية، فإن ما يجعل من المستحيل تحقق مثل هكذا نموذج نادر في أغلب البلدان العربية، الحقيقة الثابتة الأخرى بأن الاستبداد في هذه البلدان إنما محركه الأساس هو حماية الفساد، وإن كان هذا الأخير قد أنشئ وتمأسس في مرحلة سابقة لحماية الاستبداد. ولتكون الخلاصة النهائية المسلم بها: لا خبز... ولا كرامة ولا حرية.
لكن وفق ذلك، وكما يثبت تاريخ شعوب الأرض كافة، فإنه يتوجب أن يكون أنصار "الدولة" -إن صدقوا في حرصهم على "الدولة"- هم الأكثر خشية من تحقق مقولة "موت الربيع العربي". فأن يموت "الربيع" فيما تبقى كل أسبابه كما هو واقع الحال، ليس معناه إلا ردات فعل على تلك الأسباب هي ما يهدد الدولة بحق، حتى وإن بقيت الأنظمة كما بقي بشار الأسد؛ بحماية روسية إيرانية.
الأولى بالاتعاظ بـ"الربيع العربي" هي الأنظمة، بأنه لا مجال لبقائها إلا بالإصلاح الحقيقي، أي بـ"ربيع عربي"، فيكون لدى الشعوب شيء ما تخسره وليس كما هي الحال الآن.