احزروا عن من يدور النص التالي؟

حسني عايش “على أن هنالك عدواً مشتركاً خطيراً للشام والعراق، ولا بأس أن يجتمع القطران على حربه وغلبه نهائياً. وهو كان بالواقع يهدد العراق قبل الشام. غير أنه يهدد الشام مع العراق. وهم لا ينتمون إلى قطر معين ولا إلى دولة معينة، ولا يشتركون مع غيرهم في فكر معين، إنما يجمعهم مذهب واحد، هو قتال الكفرة، والكفرة عندهم هم المسلمون عامة الذين لا يقولون بقولهم. إنهم يرون الأخذ بالقرآن والسنة، لكنهم يأخذون من القرآن والسنة الأحكام التي ظاهرها شديد يفسرونها على أقصى شدة وينسون الأحكام الميسرة المسهلة. ولعل مذهبهم آنذاك نجم عن نفوسهم المتعطشة إلى الحرب والقتال . من نفوسهم التي تأخذ بالشدة والقساوة، ولا تخشاه، بل لعلها تحب الموت وتنطلق نحوه وترغب فيه. هم يمثلون أخلاق الجاهلية بغزوها ونهبها وسفكها الدماء. لكنها أخلاق ترتدي رداء الإسلام، وتستند إلى القرآن والسنة فتستخرج منهما ما تظن أنه الإسلام، وإذا هو شيء غير الإسلام في رحمته وسماحته وعلوه. فلنر الوسائل التي كانوا يستخدمونها في الحرب: أولا: كانوا لا يخشون الموت أبدا، بل يعدون الموت كسبا وغنيمة، ويضعون نصب أعينهم الآية الكريمة: “ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله ويقتلون”. ثانيا: هم لا يلقون بأنفسهم إلى التهلكة دون حذر، فغاياتهم الأولى هي سفك دم عدوهم، وإعمال القتل فيه، ولا بأس أن يموتوا هم في ساحة الحرب، لكن ليقتلوا غيرهم أولا. وكانت لهم طرائق في الحذر من العدو والتغلب عليه. فهم فرسان سريعو العدو يختفون في أماكن لا يرون فيها. وحربهم مع عدوهم يشبه ما نسميه اليوم بحرب الصاعقة. يباغتون العدو دون أن يتوقع، ويلقون الذعر في قلوبه بضربات شديدة سريعة. وتشق فرسانهم صفوف العدو وتضرب فيه ضربا شديدا، ثم تخرج منه وتعود إليه تارة أخرى، ولا تدع له مجالا للراحة، فهو في كل لحظة يجب أن يتوقع غارتهم. حتى إذا انتهوا من حربهم بكسب أو خسارة اختفوا فجاءة، والتجأوا إلى الشعاب والوديان والجبال، فلا يعرف العدو متى يظهرون ثانية، ومتى تنهال ضرباتهم عليه، فهم يتفرقون في كل مكان، لكنهم سرعان ما يجتمعون، فنداء الحرب يجدهم حاضرين في كل آن”. ثالثا: كان القتل فيهم سريانه، ويعمل فيهم حسامه فتموت رجالهم ولا يبقى منهم إلا العدد اليسير، لكن لا تمضي مدة حتى يعودوا بعدد كالسابق أو أكثر، يجدون المدد لهم من الأعراب المنتشرين في كل مكان. ذلك أنهم يعرفون كيف يستثيرون حماسة الأعراب، فهم خطباء شعراء، ولا يوجد في الشعر العربي خطب وأشعار حماسية كخطبهم وأشعارهم. يتحدثون بالخطابة والشعر لاستثارة الهمم، ويعرفون كيف يستثيرون أؤلئك الأعراب بهما، وبالثأر وبحجج جاهلية أخرى، وإذا بهم يتلقون المدد بعد المدد، فلا تخمد منهم ثورة حتى تشتعل أخرى”. وهكذا نرى أن أهل الشام والعراق اتحدا على حربهم، وكان القضاء عليهم ليس سهلاً، بل اجتمع عليهم أهل الشام والعراق، وأن لم يكن اجتماعهم على حربهم دليلاً على اتفاق ووئام بينهم”. هل عرفت من هم؟ إنهم دواعش الأمس أو دواعش القرن الهجري الأول. لقد استحضرت لك هذا النص من كتاب: الدولة الأموية والأحداث التي سبقتها ومهدت لها ابتدأ من فتنة عثمان، الصادر سنة 1965 لمؤلفه المرحوم الدكتور يوسف العش: الأستاذ في كلية الشريعة سابقا في جامعة دمشق وعميدها. وقد أعادني إليه إرهاب داعش اليوم، أو ممن يُسمون بخوارج العصر، فهم نسخة فكرية طبق الأصل عن الخوارج في الأمس والذين لو تعلموا عن مصير أجدادهم لما خرجوا اليوم ولما أبيدوا. إذا كانت الدولة الأموية والعباسية قد قضتا على خوارج الأمس الذين قصروا إرهابهم على المسلمين في بلاد المسلمين، فإن العالم كله اليوم متحد (بالإسلاموفوبيا) ضد دواعش العصر الذين تجاوز إرهابهم المسلمين وبلاد المسلمين ليشمل الكوكب، ولأنه لا قدرة لهم عليه فسيكررون مصير أجدادهم. لكن الذي يحيرني ليس وجود ثلة من المتطرفين العدميين (الخوارج) في المجتمع – وربما في كل مجتمع – وإنما تورط جملة المجتمع في الفكر نفسه. وقد قيل: إن من لا يتعلم من دروس التاريخ يكررها ويرسب فيها، وكما يبدو فإننا فيها راسبون. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان