احموا حياتكم.. "شجعوها تفحص"

لم تكن تلك الأم التي أفنت حياتها من أجل أبنائها، فسهرت عليهم ليالي طوالا كي يكونوا في أحسن حال؛ تدرك أن هناك لحظة قد تفقد فيها حياة كاملة تجمعها بأحب الناس على قلبها.اضافة اعلان
هي علمت، بعد فوات الأوان، أنها مصابة بمرض سرطان الثدي، إذ اكتُشف المرض في مرحلة متقدمة، لا يُرجى معها الشفاء منه.
لم تبالِ تلك الأم بنصائح متكررة تلقتها من صديقات مقربات لها عن أهمية الفحص المبكر الذي غالباً ما يمنع استفحال المرض، بل ويسمح بالتعافي بشكل نهائي. كانت إجابتها دوما: “ما بدي أعرف أحسن.. ما رح يفرق شي بعمري”.
هكذا بقيت رهينة الصدفة، بذهابها إلى إحدى المستشفيات بسبب ما تعانيه من أوجاع لم تخففها المسكنات. وهنا أظهرت الفحوصات الإصابة بالمرض، لكن بعد أن بلغ مرحلة متأخرة تقلل من نسب النجاح في الشفاء منه.
ومع المعاناة الكبيرة التي اختبرتها وهي تخضع لعلاج لا تدرك مدى فاعليته، كانت هناك معاناة ليست أقل لدى أبنائها بسبب الأوجاع النفسية، وهم يجهلون طرق تخفيف آلام أعز الناس على قلبهم، وفي وقت لا يحتملون فكرة خسارتها، وهي التي منحتهم الحياة، وشعور الأمان.
لكن تلك الحالة التي اختبرتها العائلة بأكملها، بصعوبتها وآلامها، والخوف من فكرة الفقدان، كانت حافزا لبناتها أن لا يعشن التجربة ذاتها، بأن يخضعن بشكل مستمر للفحص المبكر. لكأنها تضحي مرة أخرى، لكن أخيرة للأسف، لأجل أولادها!
إذ كانت تحثهن وهي في أشد حالات مرضها، أن لا يتركن أنفسهن حتى يفوت الأوان كما حصل معها. وأن يعشن حياتهن باطمئنان ويستثمرن كل لحظة بصحة وعافية تنعكس عليهن وعلى أولادهن.
تلهينا الحياة كثيرا، حتى نفاجأ بلحظة يتوقف عندها كل شيء، بغياب أغلى الناس علينا، فنشعر وكأننا نعيش بلا روح ولا قلب. يصيبنا الخوف والحزن والقلق لأننا لم نستطع فعل شيء كان من الممكن أن يجنبنا كل هذا الوجع.
في بيوتنا، نفتقد ثقافة الكشف المبكر عن سرطان الثدي، رغم مساهمته الكبيرة في إنقاذ حياة أم، أو زوجة، أو ابنة، أو شقيقة، لا يحتجن إلا تشجيعا وتحفيزا على القيام بذلك، ليبقين قلباً نابضا بالفرح والعافية في حياة كل محبيهن، وليس حياتهن وحدهن.
بعض من مشاعر الحب والتقدير، ذلك ما تحتاجه المرأة من أفراد عائلتها؛ أن يقولوا لها “أنت الحياة.. افحصي وطمنينا”؛ تلك العبارة التي أطلقها البرنامج الأردني لسرطان الثدي التابع لمركز الحسين للسرطان، للتوعية بأهمية الكشف المبكر. ولا أجد أجمل وأبلغ من هذه الجملة، لأننا جميعاً نتوق لأن يكون من نحبهم في حياتنا، يبقون برفقتنا أبداً، فكيف إن كان ثمة خطر يهددنا بمغادرتهم مبكرا، محطمين قلوبنا!
حتماً نؤمن بالقضاء والقدر. لكن علينا أن نأخذ بالأسباب. وما دام بمقدورنا المساهمة في حفظ وصون من نحبهن معنا أطول وقت ممكن، فإن علينا واجب أن نمسكهن من أيديهن الحنونة، نرافقهن للفحص المبكر، الذي يضمن نسبة شفاء تزيد على 90 % في حال وجود إصابة.
شجعوهن على الفحص المبكر.. وكونوا سندا وأمانا لهن.. كي تبقى قلوبهن نابضة بينكم، ويبقى الحب حاضرا بيننا.