"اختفاء".. جليد العلاقات وذوبانه حتى آخر رمق للحياة

مشهد من فيلم "اختفاء"-(أرشيفية)
مشهد من فيلم "اختفاء"-(أرشيفية)

إسراء الردايدة

عمان- في فيلم المخرج النرويجي بودوفين كول "اختفاء" الذي نال جائزة أحسن إسهام فني، في مهرجان القاهرة بدورته الـ39، نقف أمام علاقة الأم بابنتها وعلاقة الفرد بمحيطه وسط شتاء بارد جدا.اضافة اعلان
اختيار الفيلم للفوز ارتبط بقدرته على التعبير بصورة سينمائية واضحة عن المشاعر البشرية في لحظات الصمت، جاء من كون الموت مصدر إلهام لقصة الانسجام مع الحياة وهي على وشك أن تغيب، وكما الحياة هشة حين تكون العلاقات القريبة على وشك أن تختفي، وندرك قيمة الغفران والتفاهم في آخر لحظاتنا، وكيف للأحقاد أن تأكل كل ما هو حي ولا يتم التصافح إلا إن تعاون الطرفان، بعد أن ندرك كم كان الانتقام ساذجا، وتحول الاستياء لأسف لحظة إدراك أن الطرف الآخر من المعادلة سيرحل عن عالمنا.
قصة روس التي تزور والدتها في الشتاء كل عام تختزل كل هذا، علاقة باردة بين أم وابنتها التي تحتضر بسبب مرض السرطان، ولعبت دورها الممثلة "ريفكا لوديزن".
خيارها في تمضية آخر أوقاتها مع أخيها الصغير في منطقة باردة جبلية، لا يخفي الشوق والعلاقة المميزة بين الشقيقين من جهة ودفئها، مقارنة بعلاقة الأم وابنتها الباردة وعلاقتها بحبيب سابق تركت بنهاية مفتوحة.
فالتركيبة التي قدمها مؤلف الفيلم للأم شديدة الثراء بين سيدة تعزف البيانو وتعلمه للأطفال الصغار ما يدلّ على رقة ونعومة بداخلها، وتقوم بتربية الكلاب كبيرة الحجم وهي المهنة أو الهواية التي اعتاد على فعلها الرجال لطبيعتهم الخشنة، وصورتها وهي تعزف البيانو كأنثى ترتدي الفستان وتبتسم وتميل مع حركات أصابعها بجسدها نحو اليمين واليسار، أما في مشاهد التعامل مع الكلاب، فهي السيدة ذات الملامح الصلبة التي ترتدي سروالا وقبعة تكيفا مع الطبيعة القاسية.
فيما روس الابنة المريضة بالسرطان تعاني من جفاء والدتها منذ الطفولة، علاقة صعبة، مشاهد قاسية لطفلة تتوق لحنان الأم وعادت لحضنها، وهي تودع الحياة، رغم كونها ضحية انفصال ذويها، وكأن الأم لم تغفر ترك ابنتها لها، والذهاب للعيش مع والدها من ناحية، واعتبار أن طفلها الصغير هو الرجل الأهم والأساسي في حياتها، والذي تمنحه حبها الأكبر بعد الانفصال عن الزوج، من ناحية أخرى.
قصة تحمل الكآبة في وسطها والتي كتب السيناريو لها جولين لارمان، في جعل مأساة كئيبة في آخر لحظات الحياة في ظروف تصبح ملوثة بالندم والفكر، والذكريات الجميلة التي نحاول أن نرسمها بالرغم من معرفتنا بأن الموت ينتظر.
الدور الذي لعبته لوديزن بشخصية روس، حمل مشاهد ميلودرامية، وسط إلقاء نظرة على الأسر المفككة في أوروبا والهوة الشاسعة التي تتشكل بين الأجيال، ولعب فيها المحيط دورا كبير في رسم واقع العلاقة بين مشاهد وجبال جليدية بيضاء شديدة البرودة ومشاهد أخرى لذوبانه برمزية تجسد الجفاء بين كل الأطراف من جهة أخرى.
الموسيقى والمحيط الصامت بحوار تم تكييفه ليكون قليلا جدا، ما عكس واقع العلاقات الهشة الباردة التي تحاول أن تستعيد ما فاتها وسط طبيعة مذهلة تكفلت بالتعبير عن عمق ما يجري خلف تلك الكثبان الباردة الجليدية، من خلال الطريقة التي رسمت بها الشخصيات.
لغة سينمائية تصب في قلب الأزمات المختلفة التي عاشتها الشخوص، وطريقة ربطها بدون إغداق بالمشاعر، اختتمت بمشهدين؛ الأول لروس وهي طفلة وحيدة تعزف لحنا جميلا على البيانو، والجميع يصفق لها وكأنها تودع الحياة.