"اختمها بالخير"!

مع عبورنا إلى فصل الشتاء والبرد القارس، تزداد معاناة الأشقاء السوريين اللاجئين في مخيم الزعتري. ومن المحزن أن يلقى طفلان هناك حتفهما جرّاء البرد، وأن يعاني المهجّرون معاناة شديدة مع محاولة الحصول على أبسط مقوّمات الحياة الإنسانية، نتيجة تقصير مرعب من المجتمع الدولي وعدم التزامه بتقديم الحد الأدنى من الدعم المطلوب.اضافة اعلان
في الآونة الأخيرة، ازدادت الأمراض المقلقة في أوساط القاطنين في المخيم. ويشتبه المراقبون بانتشار أمراض الكبد الوبائي والسل، ويحيلون ذلك إلى الماء الذي يغذّي المخيم وعدم صلاحيته للاستهلاك البشري، مع عدم توفّر بدائل أخرى. كما عانى سكان المخيّم، خلال الآونة الأخيرة، من نقص حاد في الخبز، وهي مسؤولية برنامج الغذاء العالمي، كما علمت من قائمين على الإغاثة المدنية هناك.
تحدّث معي أحد الأطباء السوريين المقيمين في  لندن (وهو ليس أول السوريين الذين يتواصلون معي حول الأمر نفسه) بألم عن تأكّدهم من أنّ أغلب آلاف الأطفال السوريين في المخيم لا يملكون أحذية تقي أقدامهم برد الصحراء الشديد. وأكّد أنّهم جمعوا أموالاً تكفي لشراء الأحذية لهؤلاء الأطفال، وأوصلته ببعض القائمين على شأن الإغاثة هنا، لوضع السيناريو المناسب لمثل هذه المساعدة الكبيرة.
وفقاً لأرقام رسمية، وصل عدد القاطنين في المخيم اليوم إلى ما يزيد على 50 ألف نسمة، أغلبهم يعيش في ظروف إنسانية ليست طبيعية؛ يعانون من مرارة ألم التشرد والهجرة والجراح المفتوحة على وطن يعيش مذابح حقيقية من قبل نظام دموي جزّار، كما يعانون في الوقت نفسه أشد المعاناة في الحصول على الشروط الأساسية للحياة المطلوبة.
منذ بداية لجوء الأشقاء، وأعدادهم تصل اليوم إلى مئات الآلاف، استقبلهم الأردنيون بدرجة كبيرة من الدفء والود، وتبرّع كثير من الناس بما يستطيعون برغم قصر ذات اليد والأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها الشريحة الاجتماعية الواسعة اليوم؛ فهنالك من تبرّع بالأموال والمسكن والملبس والغذاء، فضلاً عن الدعم المعنوي الذي استمر خلال الفترة الماضية بأسرها للثورة السورية، لولا تشويش بعض مؤيدي النظام السوري من قوى لم تميّز بين الشعارات والمواقف السياسية وبين الجانب الإنساني السافر في معاناة الأشقاء وكفاحهم من أجل الحرية والكرامة والعدالة.
اليوم، تنطلق حملة تعدها النقابات ومؤسسات مجتمع مدني متعددة، عبر أثير إذاعة "حياة إف إم" لجمع التبرعات للأشقاء السوريين، ولتأكيد حملات التضامن الأردنية الشعبية معهم، أولاً على الصعيد المعنوي والإعلامي والأخوي، وثانياً على الصعيد المادي؛ بتوفير ما يمكن توفيره من مساعدات عينية ومالية تنفعهم في الأيام المتبقية لهم هنا، إلى أنّ يرحل هذا النظام البائس قريباً إن شاء الله.
عنوان الحملة "اختمها بالخير". وهي بمثابة نداء إلى شرائح المجتمع الأردني كافة، من كان مؤيداً بالمطلق للثورة السورية، ومن كان يتحفظ على بعض الجوانب، وحتى من يخشى على مستقبل سورية، بأن نتكاتف جميعاً في هذا الجانب الإنساني، ونقدّم صورة مشرقة مشعّة لعلاقتنا بالأشقاء والضيوف الأعزّاء، ونقدّم لهم كلمة اعتذار عن التقصير الكبير بحقهم، بسبب ضيق ذات اليد وتعقيدات سياسية واقتصادية عديدة. هي بمثابة رسالة روحية قبل أن تكون رسالة مادية، لعلّها تكون كلمة وداع لهم، وهم عائدون قريباً إن شاء الله إلى ديارهم ليعيدوا بناء سورية كما يحبونها هم، بعد أن يستعيدوا حريتهم، وعلى إثر إحدى أكبر الملاحم الإنسانية التاريخية.
فلنسجّل على الأقل، أيها الأعزاء، بأنّنا وقفنا مع هذه الثورة العظيمة، ومع إخواننا، وأننا لم نتخلّ عنهم.

[email protected]