ارتفاع تكلفة المستوردات ينبئ بأزمة مالية

ينذر انخفاض قيمة احتياطي المملكة من العملة الصعبة، بالتزامن مع تراجع قيمة الدولار الذي يشكل 80 بالمائة من احتياطي الأردن بمعدل 20 بالمائة منذ العام الماضي ولغاية الآن، بإضعاف قدرات المملكة على تغطية فاتورة المستوردات التي زادت قيمتها بنسبة 38.4 بالمائة خلال الربع الأول من العام الحالي مقارنة بنفس الفترة من عام 2007.

اضافة اعلان

فبعد أن كان الاحتياطي يكفي لتغطية المستوردات مدة ستة أشهر بات لا يكفي إلا لمدة ثلاثة أشهر و20 يوما نتيجة ارتفاع كلف المستوردات.

كما ينذر تراجع قيمة الاحتياطي بتداعيات سلبية لهذا الانخفاض على الاقتصاد الوطني لا سيما أن صندوق النقد الدولي حدد مدة ثلاثة أشهر لحد أدنى للمستوى الآمن من هذه العملات وقدرتها على تغطية البضائع والخدمات المستوردة.

وكان الصندوق حذر من خطر اندلاع أزمات مالية في مناطق مختلفة من العالم جراء ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية وانعكاس ذلك على ميزان المدفوعات في كثير من الدول.

هذه التحذيرات تمس الأردن مباشرة كونه دولة غير منتجة للنفط ومستوردا لكثير من المواد الغذائية، إذ يتوقع أن تصل فاتورة المملكة النفطية إلى 3 بلايين دينار نهاية العام الحالي بزيادة مقدارها بليون دينار عن العام الماضي.

بلغت احتياطيات الأردن من العملة الصعبة سبعة بلايين دولار قبل اتفاقية إعادة الشراء التي تهدف لخفض الدين الخارجي العام نحو عشرة بالمائة، وانخفضت إلى 4.9 بليون دولار ثم عاودت الارتفاع لتصل 5.7 بليون دولار بزيادة مقدارها 800 مليون دولار.

بالنظر الى قيمة المستوردات التي بلغت خلال العام الماضي 9.6 بليون دينار بمعدل 800 مليون دينار شهريا، وارتفعت خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة تقارب 40 بالمائة عن تلك الفترة، ما يعني أن قيمة ما تدفعه الخزينة منذ بداية العام ولغاية الآن تبلغ 1.0123 بليون دينار شهريا(1.5 بليون دولار شهريا).

وبقسمة قيمة الاحتياطي المتوفر الآن والبالغ 5.7 بليون دولار على قيمة المستوردات يتضح أن الاحتياطي المتوفر يغطي قيمتها مدة ثلاثة أشهر وعشرين يوما.

كذلك يشير استمرار تراجع الدولار إلى أن الاحتياطي سيتراجع هو الآخر الأمر الذي يعني تقليص مدة التغطية أكثر مما هو حاصل الآن وهي مدة قريبة من حد الخطر التي حددها صندوق النقد.

التراجع الحاصل في قيمة الاحتياطي بحسب البنك المركزي مرتبط بسحب 1ر2 بليون دولار في 31 آذار (مارس) بموجب اتفاق إعادة شراء ديون مع نادي باريس للحكومات الدائنة.

فبعد عملية إعادة شراء الديون انخفض الاحتياطي إلى 2ر5 بليون دولار في 31 آذار (مارس).

ليرتفع مرة أخرى فوق الستة بليونات دولار وهذا يعني أن هناك طلبا قويا على الدينار الأردني من تدفقات السياحة أو الاستثمار المباشر أو تحويلات العاملين بالخارج.

تشير البيانات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة إلى ارتفاع قيمة الصادرات الوطنية خلال الربع الأول من عام 2008 بنسبة مقدارها 11.5 بالمائة والمعاد تصديره بنسبة 65 بالمائة مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2007، وفي المقابل ارتفعت قيمة المستوردات بنسبة 38.4 بالمائة خلال الربع الأول من عام 2008.

أما العجز في الميزان التجاري والذي يمثل الفرق الناتج عن طرح قيمة المستوردات من قيمة إجمالي الصادرات الكلية، فقد ارتفع خلال الربع الأول من عام 2008 بنسبة مقدارها 53.4 بالمائة عما كان عليه خلال الفترة ذاتها من عام 2007، وبذلك تصل نسبة تغطية الصادرات للمستوردات إلى 40.8% خلال الربع الأول من عام 2008.

بشكل عام يتكون الاحتياطي من تحويلات الأردنيين التي تلعب دورا بارزا في الزيادة التي حققها احتياطي المملكة من العملات الصعبة، وذلك نظرا لتزايد أهميتها النسبية بالقياس الى المصادر الأخرى، إذ أصبحت تحتل المرتبة الثانية في مصادر المملكة من العملات الأجنبية بعد عائدات الصادرات السلعية، وأدى ارتفاع أهميتها الى تراجع الأهمية النسبية لبند المساعدات، بالإضافة إلى أهمية هذه التحويلات في ميزان المدفوعات.

يبلغ ما يتقاضاه العاملون في الخارج من رواتب نحو 2,5 بليون دولار، لكن التحويلات الواردة عن طريق البنوك التجارية والصرافين والتي يتضمنها ميزان المدفوعات الأردني لا تعكس كامل التحويلات التي تتم من الخارج، فهناك طرق أخرى تتم بها التحويلات.

تدفق الاستثمار يعد أحد مكونات الاحتياطي أيضا بخاصة أن السياسات الحكومية تركز على قوة التدفقات الرأسمالية على البلاد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياحة الأمر الذي ساعد في تعويض تراجع الاحتياطيات.

كما إن توفر احتياطي مناسب يساعد أي اقتصاد على التعاطي مع التغيرات الطارئة على وضع الاقتصاد العالمي، أو سحب المستثمرين الأجانب لجزء كبير من استثماراتهم.

من الأمثلة المهمة التي تؤكد على أهمية زيادة الاحتياطي ودورها المهم في تثبيت قيمة الدينار في حال مواجهة العملة المحلية للبلاد لأي أخطار من شأنها خفض قيمة سعر صرفها، كما إنه يزرع الثقة في نفوس المستثمرين الأجانب بالأمن الاقتصادي للدولة واستتباب سعر صرف عملتها المحلية، كما ويمكن زيادة قوة التأثير المصرفي والمالي للدولة في الأنشطة الاقتصادية الدولية، ويعطيها المزيد من حق الكلام في المنظمات الاقتصادية الدولية. ? ? في السابق شاعت نظرية تقول إنه إذا كان احتياطي العملة الصعبة للدولة يكفيها لتغطية إجمالي وارداتها لثلاثة أشهر فهي علامات إيجابية ومؤشرات مرضية.

لكن اليوم، وفي ظل العولمة الاقتصادية، فإن أنشطة المدفوعات الدولية في غاية من التكثف والتعقيد، وإن الأمن المصرفي والمالي للدولة يمكن أن يتعرض للتحديات في أي وقت كان، لذا فإن الدولة في حاجة الى امتلاك حجم آمن من العملات الصعبة لكي تستطيع ضمان وتأمين أدائها المالي والاقتصادي بشكل اعتيادي.

إذا نظرنا إلى الأمر من المنظور القريب، نرى أن سياسة تشجيع الصادرات لكسب العملات الصعبة واستقطاب الاستثمارات في حاجة ماسة الى تعديلات مناسبة، في الوقت الذي نزيد فيه حجم وارداتنا من الخارج، وبذلك نحقق التوازن بين عائداتنا ونفقاتنا الدولية.

فمن خلال إدخالنا لتعديلات على سياسة إدارة العملة الصعبة، ينبغى تخزين قدر كبير من العملات الصعبة في الشركات والمصارف التجارية ولدى الأفراد، أي "تخزينها لدى القطاع المدني" لتكون عوامل تقوية للاقتصاد الوطني في هذه الظروف الصعبة.