ارتفاع كلفة المياه

لم تبقَ أمام الاردن مصادر ذاتية للمياه من أجل زيادة الكميات المتاحة منها إلا إذا نفذنا مشروعات كبيرة وبكلف عالية ومتزايدة. فمشروع ناقل البحرين (البحر الاحمر/البحر الميت) سيزيد من الكمية المتاحة من المياه بمقدار مائة مليون متر مكعب او بكلفة رأسمالية تقارب العشرة دنانير لكل متر واحد.اضافة اعلان
وأما مشروع الديسي، فقد بلغت الكلفة الرأسمالية حوالي ستة دنانير لكل متر مكعب. وسوف نرى ان الارقام سوف تتزايد مع الوقت، ولو أضفنا الارتفاع في الكلف الجارية لايصال المياه لمستخدميها سنة بعد اخرى، فاننا سنصل الى نتيجة تستحق التأمل وهي أن كلفة استبدال كل متر من الماء نستهلكه اليوم سوف ترتفع في المستقبل وباستمرار.
واذا ادخلنا في حسابنا ان كل متر ستبلغ كلفته علينا حوالي دينار ونصف او اكثر كمعدل، فإن هذا يعني أن ما نعانيه اليوم من كلفة الكهرباء، وكلف الطاقة، سوف ينتقل مع الوقت الى قطاع المياه. واذا استمر الارتفاع في سعر الطاقة فان كلفة المياه سوف ترتفع أكثر وأكثر.
إذن، لم تعد المياه سلعة مجانية تذهب الصبايا الى عيون الماء لجلبها، ولا يدفعن شيئاً مقابلها، بل تحولت المياه الى سلعة نادرة ذات كلفة عالية. ولهذا يجب ان يصبح النظر في قضايا المياه والتخطيط السليم لها واحدة من اولى اولوياتنا. وما يزيد الموضوع الحاحاً هو هذا التزايد الكبير في اعداد القادمين الى الاردن والمقيمين فيه. ولذلك، يجب ان نتبنى خطة واضحة لذلك.
الزراعة تستهلك حوالي ثلثي المياه، وفي منطقة الاغوار بالذات وهي تباع بحد ادنى قدره (8) فلسات لكل متر مكعب، ويرتفع السعر الى (15) فلساً ليصل كحد اقصى الى (45) فلساً للمتر المكعب الواحد، وكيف نتحدث بعد ذلك عن انتاج زراعي منافس وهو يتلقى كل هذا الدعم؟.
وبسبب هذا التسعير، صرنا ننتج محاصيل تستهلك مياهاً رخيصة الكلفة وعالية القيمة في انتاج سلع فائقة ومحرجة في فائضها كالبندورة، والموز، وغيرها من المحاصيل ذات الاستهلاك العالي للمياه.
والعجيب ان المياه التي ترسل للمزارع في الاغوار هي نفسها التي ترسل للشرب في عمان، وهي نفسها التي يشتريها تجار المياه ويوزعونها في قوارير على المنازل، وهي نفسها إلا في حالات المياه المعدنية التي تُنقى وتعبأ في زجاجات يصل سعر المتر الواحد منها حوالي (300) فلس.
اذن فسعر الماء في الاردن يتراوح بين (8) فلسات و(300) فلس، وهذه المقارنة الدرامية تجسد امام أعيننا حقيقة التشوه الكبير ليس في اسعار المياه، بل وفي السياسة المائية التي ننتهجها في الاردن.
 المياه رصيد وطني والناس فيه شركاء، والشراكة لا تعني توزيعه بالمجان، بل تعني استخدامه وادارته والحفاظ عليه.
والشراكة لا تعني ان يُباع الماء إلى منتج يصنع منه عصائر ومشروبات غازية يبيعها بأسعار عالية بنفس السعر الذي يباع فيه الماء للمزارع الذي يتقيد بالدورة الزراعية والنمط الزراعي.
والشراكة لا تعني ان الماء المتاح بوفرة في محافظة يبقى فيها، بل ينقل منها الى المحافظات التي يشح الماء فيها.
آن الاوان ان تتخلص من كل التبذير في المياه حيثما كان وأينما كان. واذا نقص النفط عليك تستطيع شراءه من مكان اخر، واذا نقص عليك المال تستطيع اقتراصه او طلب المعونة فيه، اما نقص المياه فليس له حل اذا كان جميع من حولك يعاني من العطش او شح المياه.