"ارحم يا طراونة"

بدا أن الأمور أخذت تتلحلح!
جلالة الملك يلتقي فعاليات ويسمع آراء حول الانتخابات وقانونها، بما يعني أن الأمور لم تحسم بعد. وفي الأثناء، تنطلق مبادرات للحوار من قبل فعاليات تستهدف الصالح العام وضمان مشاركة الجميع، وخصوصا جبهة العمل الإسلامي.اضافة اعلان
وليل الأربعاء الماضي حققنا اختراقا معقولا، بالحصول على موافقة جبهة العمل الإسلامي على إعادة النظر في المقاطعة، في إطار توافق وطني يتم به تجاوز الصوت الواحد (نعمل بصراحة على مشروع الصوتين في الدائرة أو المحافظة). وعليه، بدأنا نستعيد شيئا من التفاؤل بتجاوز عنق الزجاجة، والذهاب إلى انتخابات بإجماع وطني يقوي الأردن في هذه الظروف الاستثنائية، ويضعه في أفضل موقف داخليا وخارجيا.
ثم كما لو أن دولة الرئيس استشعر هذا الخطر! فخرج علينا بتصريحات تقوض كل هذا الجهد، وتستبق حوار الجميع، ليقرر بلغة قاطعة أنه لا تعديل على القانون، وأنه ستجرى الانتخابات بموجبه قبل نهاية العام!
"ارحم يا طراونة"... ما الحاجة إلى قصفنا بهذه التصريحات المدمرة لجهود الإنقاذ المخلصة والهادفة إلى تحقيق التوافق وتجنيبنا مخاطر الذهاب إلى انتخابات انقسامية في هذا الظرف الحالك؟! الثمن ليس كبيرا، ولا يبرر كل هذه "الممانعة" للصوت الثاني في الدائرة أو المحافظة، والذي نؤكد أنه ينقذ الانتخابات والإصلاح والإجماع الوطني! ونحن لا نعتقد أنه ينطوي على أي مخاطر من نوع حصول جبهة العمل الإسلامي على أغلبية تفوق كثيرا وزنها الانتخابي. أما إذا كان الوزن الانتخابي للجبهة يؤهلها للحصول على أغلبية فليكن، ولتشكل هي الحكومة؛ فهذه هي الديمقراطية. وبالعكس، فإن حرمان الطرف الذي يملك أغلبية من حقه في الحكم هو الخطر بعينه، لأنه يعني التنكر للحق والعدل، واستمرار التسلط والأساليب المنحرفة لإدامة الهيمنة من الأقلية قسرا، وبغض النظر عن أهليتها واستحقاقها.
في كل الأحوال، نحن لا نصدق حكاية أن الصوت الثاني يضاعف حصة جبهة العمل الإسلامي لتصل إلى 70 أو 75 مقعدا، وفق نتائج استطلاع جرى ولم نطلع عليه! ويقال إنه كان حاسما في دفع دوائر القرار إلى العودة للصوت الواحد! مع أن استطلاعا لحكومة سابقة أظهر نتائج أخرى!
ليس الصوت الواحد هو السيئ فقط في هذا القانون؛ فصيغة القوائم (المغلقة) لا تقل سوءا، وستكون أقل نجاحا مقارنة مع القوائم المفتوحة أو الحرة التي تسمح بالتصويت للمرشحين داخل القوائم، وتيسر فرص تشكيل قوائم ائتلافية تضم حزبيين ومستقلين. ويمكن، إذا شئنا صيغة أكثر نجاحا، السماح للمرشحين بالمنافسة في آن معا على كلا النوعين من المقاعد (الوطنية والمحلية)، في إطار ما يطلق عليه "نظام العضوية المختلطة"، من أجل تشبيك الجميع بالقوائم، وتقوية التعبئة لها والاهتمام بها في المحافظات والدوائر. لكن مع الأسف، تم إغلاق العقول والآذان، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الانفتاح. ولا أستطيع أن أجد سببا لذلك سوى التنكر للإصلاح والتغيير.
أنا لم أكن يوما مع المقاطعة، لكنني أتفهم هذه المرة موقف المقاطعين، لأن توافقا وطنيا شاملا كان قد تحقق على التغيير، وفي القلب منه تجاوز نظام الصوت الواحد، فكيف يدار الظهر للجميع مرة واحدة ونعود إلى نقطة الصفر؟! وكيف نريد إعادة إنتاج برلمان تقاطعه قوى سياسية وشعبية بأكثر مما هو مع البرلمان الحالي الذي نريد حله لأنه يفتقر للتمثيل الحقيقي والواسع؟! والآن، نادرا ما أجد شخصا يقتنع بأن البرلمان القادم بهذه الطريقة يملك أي فرصة للاستمرار!
الحقيقة أنني، وحتى بعد تصريحات الرئيس الأخيرة، ما أزال عاجزا عن تخيل أننا يمكن أن نمضي حتى النهاية بهذه الطريق الخاطئة، والتي تقود رأسنا مباشرة للاصطدام بالحائط!

[email protected]