استثمار "الضمان" في الخارج

سلامة الدرعاوي أسئلة طرحت في حوار خاص حول الأسباب التي لم تمكن صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي من الاستثمار في الخارج، والفكرة بحد ذاتها لاقت نقاشاً موسعاً ما بين مؤيد ومعارض. فكرة استثمار صندوق الضمان الاجتماعي في الخارج فكرة قديمة طرحت في العام 2007 حين أرادت الحكومة في ذلك الوقت شراء منازل ومقرات للسفراء في الخارج، حينها لاقت الفكرة اعتراضات شديدة في الشارع العام، وكاتب المقال كان من أنصار هذا الرأي الرافض للفكرة التي تستند على رأي جدير بالاهتمام وهو ان الحكومة تدفع أموالاً كبيرة مقابل استئجارها لمنازل ومقرات السفارات في الخارج، وبالتالي لماذا لا تتملك الحكومة لتلك الاماكن وتشتريها من خلال الصندوق الذي سيمول هذه الصفقات وبعائد مجد يعود للصندوق. شخصيا أرى انه من حق الدولة والحكومة ان تكون مباني السفارات ومنازل السفراء ملكا لها وغير مستأجرة، ولكن إذا لم يكن لدى الخزينة القدرة المالية على التملك فإن ذلك لا يبرر لها توظيف أموال الضمان لشراء مبان ومنازل للسفارات والسفراء في الخارج. على الجميع ان يفرق بين أموال الحكومة وأموال الضمان، فهما مختلفان، فأموال الضمان هي أموال المشتركين ومدخراتهم ولا يجوز التهاون او التلاعب في استعمالاتها. أما أموال الخزينة فهي أموال الحكومة التي تأتي من جيوب رعاياها والتدفقات الاستثمارية والعوائد الضريبية والرسوم الجمركية من الشركات والمصانع والمؤسسات الاعتبارية التي تعمل في المملكة، لذلك لا يجوز ان ننظر إلى أموال الضمان على انها أموال للحكومة. أما من يقول ان مشروع شراء مبان للسفارات سيكون أمراً مجدياً استثمارياً للضمان فالسؤال الذي يطرح في هذه الحالة هو أنه اذا ما قام صندوق الضمان بشراء مبنى لسفارة في الخارج بقيمة مليون دولار على سبيل المثال، ثم بعد فترة من الزمن ارتفع ثمن العقار عشرة أضعاف ما تم شراؤه، فهل سيقوم الضمان بطرد السفارة ويقوم ببيع العقار؟. البعض يقول إن صندوق الضمان باستطاعته إقراض الحكومة مبالغ مالية لشراء السفارات بالخارج بأسعار فائدة عالية، وهنا نقول إن صندوق استثمار أموال الضمان ليست مؤسسة اقراضية، وإنما هو مؤسسة استثمارية معنية بتنمية مدخرات المشتركين، وإذا ما أرادت الحكومة الاقتراض فعليها التوجه للقطاع المصرفي فهو صاحب الاختصاص بالاقتراض وليس الضمان الذي تتجاوز قروضه للحكومة أكثر من نصف موجوداته، وهذه نسب عالية جداً وان كانت مجدية مالياً للصندوق، لكنها في النهاية تحد من قدرته على توسيع قاعدته الاستثمارية بسبب التركز الكبير في مجال الاقتراض والمشاركة في السندات. لكن التخوف الأكبر من أي قرار استثماري خارجي للضمان هو في الحقيقة عدم الثقة بالقرار الاستثماري الخارجي ليس للضمان فقط وإنما للحكومة أيضا، فلا توجد كفاءات استثمارية قادرة على توظيف أموال الضمان استثمارياً في الخارج، فهذا الأمر يحتاج إلى الاستعانة ببيوت مالية ذات خبرة في إدارة الأصول والاستثمارات الخارجية، ومعرفة عميقة في الأسواق الخارجية والفرص هناك، وهذا الأمر ليس متوفرا حاليا لا في الضمان ولا في غيره من مؤسسات الدولة مع كُل أسف، فالخبرات والكفاءات غادرت الخدمة العامة، بسبب برامج " تصفية القطاع العام" التي تمت في السنوات الماضية. خبرات الأردنيين في الاستثمار في الخارج مؤلمة للغاية، والكُل يتذكر كيف قاد باسم عوض الله صفقة نادي باريس في العام 2008، وصرف كل عوائد التخاصية البالغة (1.66مليار دينار) في ذلك الوقت لشراء جزء من ديون الأردن الخارجية (3 مليارات دولار) بخصم متدن جداً لا يتجاوز الـ11 %، في الوقت الذي كانت الدول الأخرى تحصل على خصومات تصل لأكثر من 50 % من حجم ديونها، لتضيع أموال الخصخصة التي كانت من المفترض ان تكون للاجيال، والأمر من ذلك ان الدين بدأ يرتفع ويعود بأعلى من مستوياته قبل الصفقة بعد أشهر قليلة. أخيرا، دعوا الضمان يعمل باستقلاليته كما هو عليه الآن، ولا تخططوا له، فالأصل ان يكون قراره وليد فكره وقناعاته المبنية على دراسات الجدوى الخاصة به، ويمتلك صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي إدارة رشيدة وحصيفة تعرف جيداً واقعه الاستثماري ومحدداته المختلفة، وقد نجحت بإحداث نمو إيجابي غير مسبوق في موجوداته التي باتت تناهز الـ 12مليار دينار وهو نمو غير مسبوق على الإطلاق يعود الفضل الأول والأخير لإدارة الصندوق التي تعمل بصمت. لذلك اتركوا الضمان يعمل وفق قناعاته ودراسته، وأكد للجميع ان محاولات الاستثمار داخل المملكة متنوعة ومتعددة وأضمن للجميع من أي عواقب ومخاطرات لا تحمد عقباها.اضافة اعلان