استدعاء السفير: موقف أردني من "التدخل الإيراني" بالمنطقة

السفارة السعودية في طهران أثناء الاعتداء عليها مطلع العام الحالي والذي وتر العلاقات العربية مع إيران-(ا ف ب)
السفارة السعودية في طهران أثناء الاعتداء عليها مطلع العام الحالي والذي وتر العلاقات العربية مع إيران-(ا ف ب)

تغريد الرشق

عمان- قرر الأردن أمس استدعاء السفير الأردني في طهران عبدالله أبورمان إلى عمان  اليوم للتشاور، في خطوة دبلوماسية وصفها مراقبون بـ"التصعيدية"، وهي خطوة عكست، بحسب مصادر رسمية مطلعة، خيبة أمل أردنية من "عدم تغير السياسة الإيرانية في المنطقة العربية، وتواصل تدخلها بالشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية".
وجاء استدعاء السفير الأردني، الذي لم يصل لمرحلة سحبه رسميا من طهران، بعد "تراجع الآمال بتغير سياسة إيران في المنطقة"، بحسب مصادر رسمية، أوضحت "أن الأردن بنى آمالا بعد الاتفاق النووي بين ايران والدول الكبرى بان يدفع الاتفاق إيران إلى تغيير مسلكها السياسي والتراجع عن التدخل في الدول العربية الشقيقة، إلا أنها استمرت بمثل هذه التدخلات، خاصة في اليمن ولبنان وسورية".
وقالت الحكومة، على لسان وزير الدولة لشؤون الاعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة د. محمد المومني، في تصريح رسمي امس، توضيحا لقرار استدعاء السفير "أنه عندما تم الإعلان عن التوصل إلى الاتفاق الخاص ببرنامج إيران النووي، بين دول مجموعة 5+ 1 وجمهورية إيران الإسلامية، عبرت الحكومة الأردنية في حينه عن مساندتها ودعمها للاتفاق، مدفوعة بالأمل بأن يشكل أيضا مقدمة لتطوير وتعزيز العلاقات العربية- الإيرانية على أساس حسن الجوار ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعمل المشترك لتعزيز الأمن الإقليمي وتحقيق الاستقرار في منطقتنا".
وأضاف المومني "إلا أن الفترة التي أعقبت التوقيع على ذلك الاتفاق شهدت، مواقف من قبل الحكومة الإيرانية لا تنسجم مع آمالنا الأوسع تلك، حيث صدر عنها أو عن مسؤولين فيها، خلال هذه الفترة جملة من الأفعال والأقوال التي تشكل تدخلات مرفوضة من قبلنا في الشؤون الداخلية لدول عربية شقيقة، وعلى الأخص دول الخليج العربية، ومساساً بمبادئ حسن الجوار التي نتوخاها في تعاملاتنا مع الدول المجاورة للعالم العربي، ولا نقبل بأقل منها من دول الجوار تلك في تعاملاتها معنا ومع قضايانا العربية، لأنها تؤدي إلى خلق الأزمات وتعميق عدم الاستقرار في منطقتنا".
وقال: "عشية الاعتداءات السافرة التي طالت سفارة المملكة العربية السعودية الشقيقة في طهران وقنصليتها العامة في مشهد، عبرنا للحكومة الإيرانية عبر سفير إيران في عمان، خلال استدعائه لوزارة الخارجية وشؤون المغتربين حينها، عن احتجاجنا وإدانتنا الشديدة لتلك الاعتداءات التي تنتهك اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وطالبناها بالتوقف الكامل عن التدخل في الشؤون العربية، واحترام سيادة الدول وبالاستجابة للمسعى العربي بإقامة علاقات متوازنة ومتينة معها ترتكز إلى مبادئ العلاقات الدولية والقانون الدولي ذات الصِّلة".
لكن المومني بين أننا في الأردن "لم نلمس من الحكومة الإيرانية استجابة لهذه المطالبات، ولمطالب مجلس جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في بياناتهما وقراراتهما الأخيرة، والعديد من الدول العربية والإسلامية الشقيقة، ولم تتجاوب إيران معها للآن واستمرت في نهجها دون تغيير".
وأكد المومني أنه "أمام هذا الواقع، فلقد خلصت الحكومة إلى ضرورة إجراء وقفة تقييمية في هذه المرحلة وفي ضوء هذه المعطيات والتطورات، اقتضت اتخاذ القرار باستدعاء السفير الأردني في طهران للتشاور، وقد أوعز نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين للسفير في طهران بالعودة إلى العاصمة لهذه الغاية".
وجدد المومني تأكيد الحكومة "على أنها، أسوة بالدول العربية الشقيقة، قد عملت وستستمر بالعمل، لجعل العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية، التي يربطنا بشعبها تاريخ مشترك طويل ومصالح وتحديات مشتركة، إيجابية وبناءة"، معبرا عن أمل الحكومة الأردنية بأن "تقوم حكومة جمهورية إيران الإسلامية أيضا بمد جسور الثقة والتواصل مع جوارها العربي، وتثبيتها على القواعد الراسخة لمبادئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول العربية والامتناع عن أي تدخل في شؤونها الداخلية".
وكانت ايران والولايات المتحدة الاميركية والدول الكبرى قد وقعت قبل اشهر على اتفاق تاريخي، شمل الملف النووي الايراني وجدولا زمنيا لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، وذلك في وقت تتصاعد فيه حدة الاتهامات من قبل عدة دول عربية، خاصة المملكة العربية السعودية والدول الخليجية، لإيران باستمرار التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وتهديد الاستقرار فيها.
مصادر رسمية مطلعة أوضحت لـ"الغد" أن الأردن استدعى سفيره من طهران للتشاور "ولمزيد من الضغط على إيران لتكون عامل استقرار في المنطقة ووقف تدخلاتها بشؤون المنطقة العربية".
وبينت أن القرار الأردني هو باستدعاء السفير من طهران وليس سحبه، مؤكدة أن الأردن "يحرص على أن يبقى الباب مواربا مع إيران وترك المجال مفتوحا امامها للتراجع عن سياساتها المرفوضة عربيا".
ولكن ما الذي يعنيه استدعاء السفير دبلومسيا وسياسيا؟ يوضح مصدر دبلوماسي لـ"الغد" أن استدعاء السفير هو "إجراء دبلوماسي متعارف عليه، بحيث تستدعي دولة سفيرها للتشاور، وهذا لا يعني قطع العلاقات، بل تعبيرا عن موقف تريد الدولة ايصاله".
وأشار المصدر الدبلوماسي إلى احتمال أن يمتد بقاء السفير في الأردن لفترة طويلة، أو قد يقتصر الاستدعاء على فترة زمنية قصيرة، وهذا يعتمد على ما سيجري لاحقا".
وعن رأيه باحتمالية أن تقوم إيران، بالمقابل، باستدعاء سفيرها لدى الأردن، رأى ذات الدبلوماسي، أن هذه الخطوة "ليست استفزازية من قبل الأردن، وبالتالي فإن الأمر ليس مرتبطا باستدعاء طهران لسفيرها، فمن حق أي دولة أن تغضب بسبب تصرف معين وتستدعي سفيرها إثره، ولا يعني هذا أن تقوم الدولة الأخرى بفعل ذات الأمر".
يشار إلى أن مجلس الوزراء كان قرر تعيين أبو رمان سفيرا للمملكة لدى إيران منتصف أيلول (سبتمبر) 2014، فيما قدم اوراق اعتماده لدى الجمهورية الاسلامية في كانون الثاني (يناير) 2015، بعد أن بقيت السفارة الأردنية بطهران تدار من قبل القائم بالأعمال جانتي ماميلا، خلال الفترة من 2008 ولغاية 2010، ثم من قبل سفيرنا الحالي لدى اذربيجان نصار الحباشنة، الذي خدم كقائم أعمال في طهران من 2010 ولغاية 2012. وكان آخر سفير أردني خدم في طهران، قبيل ابو رمان، سفير المملكة الحالي في هولندا أحمد المفلح، الذي بقي سفيرا في طهران حتى أواخر العام 2007، بمعنى أن السفارة بقيت بلا سفير لحوالي 8 سنوات.
وفيما حصلت توترات في العلاقة بين البلدين تاريخيا، خلال الحرب العراقية الايرانية في ثمانينيات القرن الماضي، وفي ظروف اخرى، الا ان العلاقات الدبلوماسية استمرت، وأبقى الأردن على سفارته في ايران، وكان هناك تمثيل دبلوماسي بشكل او بآخر، لحرص المملكة على ابقاء التواصل، حتى في ظل الاختلافات في الرؤى.
ويعرف عن الأردن تمسكه دائما باحترام متبادل مع جميع الدول. وحتى في أسوأ الظروف، يحاول الأردن إبقاء قنوات اتصال مفتوحة مع الجميع، وفقا لدبلوماسيين.
ورأى هؤلاء أن إيران تعد دولة اسلامية كبيرة يحترمها الأردن، رغم اختلاف وجهات النظر "حيال قضايا كثيرة.. خصوصا التدخلات الايرانية في المنطقة"، وأن الأردن كان دائما يأمل بأن تكون ايران "لاعبا ايجابيا" في المنطقة.
وأشار أحد هؤلاء الدبلوماسيين، الذي فضل عدم نشر اسمه، الى ان الأردن كان يرحّب بالحوار بين ايران والغرب، قبيل التوصل الى الاتفاق النووي، وأن الأردن "مع حق أي دولة بامتلاك التكنولوجيا النووية للاستخدامات السلمية". واعتبر انه "طالما ارتأى صاحب القرار خطوة من هذا النوع، فهذا يعني ان هناك ضرورة، وهذه الضرورة أتت في سياق دولي وإسلامي، بعد إدانة المؤتمر الإسلامي لتصرفات إيران".
وكانت منظمة مؤتمر التعاون الإسلامي دانت، في بيان ختامي الجمعة الماضية من اسطنبول، ما وصفته بـ"تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة" ودول أخرى، منها البحرين واليمن وسورية والصومال، و"استمرار دعم طهران للإرهاب".
ولم يشارك الرئيس الإيراني حسن روحاني والوفد المرافق له في الاجتماع الختامي للقمة، اعتراضا على هذه الاتهامات، بحسب وسائل إعلام إيرانية.
من جانبه، اعتبر الوزير الأسبق، والسفير الأردني الأسبق لدى طهران بسام العموش في تعليقه لـ"الغد"، ان التحرك السعودي الرافض للتدخل الايراني، ابتداء من عاصفة الحزم في اليمن، ووصولا الى قطع العلاقات مع ايران، بعيد حرق السفارة السعودية في طهران "ادى الى تحرك دول عربية اخرى، ومنها الأردن".
 وعبر العموش عن اعتقاده بأن الأردن لن يقطع علاقاته مع ايران، وانه "لا يريد ذلك"، ولكنه "نوع من الانسجام مع الموقف السعودي" بحسبه.
وعن التدخلات الايرانية، التي تحدث عنها بيان الحكومة، أشار العموش إلى أن "إيران ترسل مليشياتها علنا الى سورية، وتتحكم بالمستقبل السوري، كما ان حزب الله المدعوم من ايران (..) اصبح الآن هو المسيطر على لبنان ويمنع انتخاب رئيس لها".
كما اتهم العموش إيران بالتدخل في اليمن من خلال الحوثيين وفي العراق وفي دول عربية، "ولا أحد يقبل هذا التدخل، فإما أن تعود ايران الى داخل حدودها وتحترم جيرانها، وسنتمنى لها الخير حينها، وإما أن تقبل ان يتدخل العرب بشؤونها كما تتدخل هي بشؤونهم".

اضافة اعلان

[email protected]