استراتيجية الإصلاح الضريبي

الدكتور خالد واصف الوزني

تتلخص استراتيجية الإصلاح الضريبي في الدول بشكل عام في معطيات اربعة لا بد لصانع القرار الالتفات اليها، وهي بالمفهوم العام للاستراتيجيات تتلخص في اربع معطيات هي: نقاط القوة والضعف ومواطن التحديات والفرص. وعلى صانع القرار في أي دولة الانتباه إلى تلك المعطيات بالتشارك التام مع الجهات ذات العلاقة في الدولة، وخاصة شركاء التنمية، والمقصود هنا بالضرورة ثلاث جهات محددة هي: الشركاء من القطاع الخاص، والمختصون من أكاديميين وخبراء في الاقتصاد والمالية العامة، والشركاء من المؤسسات الدولية ذات العلاقة.اضافة اعلان
وضع استراتيجية هيكلية للضرائب في الأردن يجب أن تعتمد أيضا على تحليل نوعي للعلاقات التي يفرضها ما يُسمى التحليل السداسي للاستراتيجيات والبيئات الخارجية، والمقصود بالتحليل السداسي هو تحليل العلاقات المرتبطة بالوضع السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والتشريعي، والتقني، والبيئات العامة. وبالعودة الى التحليل الرباعي، تشير الدلائل في الأردن الى أن المشكلة في نقاط ضعف هيكل ضريبة الدخل في المرحلة الحالية. ولعل المرتكز الأساس في ذلك يكمن في ضعف التحصيل من المهن الرئيسية لقطاع الخدمات، فقطاع الخدمات يُشكل نحو ثلثي الاقتصاد الوطني، وبالتالي فإن ضعف التحصيل والخضوع، بل وزيادة نسب التهرب في ذلك القطاع، يشكل أكبر نقطة ضعف في هيكلية ضربيه الدخل في الأردن.
ومن هنا فإن العلاج العام لا يصلح لتصويب الخلل الموضوعي، فنحن بحاجة الى علاج موضعي يلزم العديد من أصحاب المهن الكبرى في الاقتصاد، من أطباء، ومحامين، ومهندسين، وغيرهم على الالتزام بدفع الضريبة والخضوع لها. وهي قضية موضعية قد يقتصر علاجها على تعديل يقوم على الالتزام "بنظام الفوترة" الرسمية في تلك القطاعات. وهنا لا بد من الإشارة الى عدم التعميم فقد يكون هناك التزام بدفع الضريبة في تلك القطاعات، ولكن من الواضح أن ذلك الالتزام مقتصر على نسبة ليست بالكبيرة. ولعل اللجوء الى تصويب الوضع بعلاج موضعي في القانون دون الدخول في كافة بنود القانون وهيكله سيساعد على سرعة التمرير وعلى إقناع السلطة التشريعية بإجراء مثل تلك الجراحة الموضعية على القانون.
على أن يتم الرجوع إلى دراسة شاملة خلال العام القادم تشمل هيكلية الضريبة في الأردن، سواء أكانت ضريبة دخل أم ضرائب غير مباشرة، مثل المبيعات والضرائب والرسوم الأخرى. فهناك حاجة ماسة الى دراسة هيكلية متكاملة للضرائب تسمح بالتصاعدية والتدريج حتى في الرسوم والضرائب غير المباشرة وعلى رأسها ضريبة المبيعات. 
أما في مجال التحليل السداسي، فإن أربعا من المكونات التحليلية الست ليست مشجعة على تعديل شامل للضريبة، فالبيئة السياسية، والبيئة التشريعية، والبيئة الاجتماعية، بل والبيئة الاقتصادية، ممثلة بالوضع العام والبيئة التنافسية للاقتصاد، لا تسمح في مجموعها على تعديل شامل للقانون.
بيد أن الالتزامات الكبيرة والتحديات التي ورثتها الحكومة تُحتم اللجوء الى تعديلات محورية في القانون هدفها الأساس تحسين مستويات التحصيل ومكافحة حجم التهرب الكبير في قطاع الخدمات المهني، بشكل محدد.
فالقول بأن 96 % من الأردنيين لا يدفعون ضريبة دخل سليم، إلا انه مضلل أيضا، فعدم الدفع سببه أن النسبة الكبيرة من المواطنين في وظائف حكومية وخاصة لا يتجاوز متوسط الراتب فيها عن 500 دينار شهريا، وبالتالي فإن نسبة الخضوع لن تزيد حتى وإن تم تخفيض الإعفاءات. ولن تتمكن تلك الشرائح من الخضوع إلا إذا ارتفع دخلها الى الضعف على الأقل وتحسنت معيشتها.
أي اننا بحاجة الى رفع مستويات الدخل الى مستوى الخضوع للضريبة وليس تخفيض مستوى الخضوع الضريبي للنزول الى مستويات الدخل الضعيفة. وفي النهاية فإن الاستراتيجية الضريبية الأنسب اليوم تتمثل في، أولا: معالجة ضعف التحصيل عبر تعديل موضعي يحارب التهرب ويُخضع اصحاب المهن غير الملتزمة بالخضوع. ثانيا: تحسين مستويات البنية التحتية، وخاصة الشوارع والمرافق العامة، للشعور بأن التحصيلات الضريبية تذهب الى القنوات المناسبة. ثالثا: تحسين مستوى الخدمات الحكومية عبر قناتين هما: تحسين التعامل مع الجمهور، وحوسبة الإجراءات وتحويلها الى القنوات الالكترونية الذكية بما يسهل حياة المتعاملين ويجعلهم أكثر راحة في التعامل مع المؤسسات الحكومية.
الحكومة الحالية اجتهدت بشكل كبير في موضوع الضريبة وفتحت حوارا كبيرا في هذا المجال، وباعتقادي ان من المهم مساندتها في الخروج بتعديل مناسب يحقق التزامات الأردن أمام المؤسسات الدولية ويحفظ قوة الاقتصاد ومتانته وقدرته على الوفاء بالتزاماته الدولية.