استعادة الدولة هو الاستحقاق الأول

مالك العثامنة في الصيف الماضي، حظيت بلقاءات عمل واستماع مع كثير من نخب الدولة الأردنية وأركانها سواء من العاملين او السابقين، معارضة وموالاة، حراكيين و “قوى وضع راهن”، وكان كل ذلك في خضم عمل اللجنة الملكية التي كانت قد تكلفت بوضع توصيات إصلاح تشريعية وسياسية ترأسها رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي (وقد حظيت بعدة جلسات مغلقة معه أيضا). كنت أنهي تلك الاجتماعات منبهرا بكل ما أسمعه “خصوصا من خندق الإصلاحيين المتحمسين” وأجمع أوراقي وأتجه غالبا إلى مدينة الزرقاء “حيث كانت تسكن السيدة والدتي”. في الطريق من غرب العاصمة إلى مدينة الزرقاء كنت أمر بالرصيفة، المدينة المكتظة بالقهر والناس والكادحين، وأتساءل أمام كل ما أراه من فانتازيا في الطريق وعلى جوانب الأرصفة: ما الذي يتحدث عنه السادة المحترمون في عمان؟ أي تيارات حزبية يحلمون بها وأي حياة سياسية برلمانية ينتخب فيها المواطن الأردني برامج أحزاب، لا أشخاص اعتاد هذا المواطن ان يسترزق من “أعراسهم الديمقراطية” بدءا من اليافطات الانتخابية المليئة بالشعارات المدهشة وليس انتهاء بالصواوين والخيم الانتخابية المتخمة بالطعام والحلويات. في أسبوع ساخن من النقاشات استمعت فيه إلى أعضاء اللجنة نفسها وصالونات عمانية حول جدل “العتبة الانتخابية” وكانت النقاشات تحتدم على فروق أعشار بالمائة حول تلك العتبة(!) وكنت في ذات الطريق من عمان والرصيفة ثم الزرقاء أتأمل وجوه الناس العابرين في الطريق والأطفال “الكثيرين جدا” يبحثون عن لقمة عيشهم على نواصي الطرق ومفترقاتها وأعيد التساؤلات إن كان السادة المحترمون يدركون فعلا حجم الهوة بين ما يطمحون إليه وما يحلم به الأغلبية الساحقة من الناس الذين يشتركون معهم بالمواطنة المفقودة كمفهوم مكتمل الأهلية! كثيرا ما كنت أكرر في مقالات عديدة “وجلسات علنية ومغلقة” ما أؤمن به في يقين راسخ أن الوعي الجمعي الأردني بمجمله ممسوخ ومشوه ومزور، وأن الأولوية السليمة تقتضي إعادة تأهيل هذا الوعي الجمعي وترسيخ مفاهيم الدولة ومؤسساتها القانونية والمواطنة الصحية السليمة بكل ما فيها من حقوق وواجبات وكل ذلك تحت مظلة الدستور الذي يحمي العلاقات بين الجميع أفقيا وعموديا قبل الحديث عن “الزخرفة الديمقراطية” التي تشبه عربة ملونة ومزركشة ينشغل “المنشغلون في عمان” بصناعتها بحرفية عالية، فيجد الجميع أنفسهم أمام عربة لا حصان خلفها ولا أمامها، والحصان هنا هو الدولة “بمعناها الحقيقي”. اللجنة انتهت من توصياتها التي تحولت عبر المجلس التشريعي “بغرفتيه” إلى قوانين وتشريعات وتعديلات دستورية، والأحزاب الموعودة لا زالت تراوح مكانها في منطقة الخداج القديمة بذات العقلية التقليدية القائمة على “الأشخاص” والديباجات التي لا تحمل برامج حقيقية لمنهجية حكم حقيقي في كل القطاعات من صحة وتعليم وسكن واقتصاد، ولا أي حل “حقيقي لا إنشائي” لإيجاد خطوات أولى لحل مشاكل البطالة والفقر. لا أطرح رؤية تشاؤمية بقدر ما أتحفظ على “عربة” الإصلاح المزركشة بألوانها الزاهية والحصان ما يزال هزيلا غير قادر على حمل نفسه فكيف يجر العربة المثقلة بالزخارف الديمقراطية؟ مرة أخرى أكرر: علينا ان نستعيد مفهوم الدولة التي فقدناها كمؤسسات حتى نقف على أرض صلبة كمواطنين ندرك أن حقوقنا دستورية كما ان الواجبات علينا مستحقة. للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان