استعدوا لمواجهة "الجهاد 3.0"

حسين حقاني – (وول ستريت جورنال) 2/11/2017

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

الهجوم الذي شُن بشاحنة صغيرة في مدينة نيويورك مؤخراً، والذي نفذه مهاجر من أوزبكستان، هو تذكير بأن الإسلام السياسي المتطرف لن ينتهي بالهزيمة التي مني بها تنظيم "داعش" أخيراً في الرقة.
وكما أن سقوط طالبان في أفغانستان بعد 11/9 لم يؤذن بنهاية تنظيم القاعدة، فإن قوى التطرف في العالم الإسلامي ستواصل الانبعاث في أشكال أخرى، وفي مسارح أخرى. وإذا كان تنظيم القاعدة قد شكل مرحلة "الجهاد 1.0"، ومثّل "داعش" مرحلة "الجهاد 2.0"، فإن علينا الآن الاستعداد لمواجهة "الجهاد 3.0". وسوف تستمر الإسلاموية المتطرفة في أن تكون مصدر قلق للأمن القومي الأميركي لسنوات كثيرة قادمة.
لم يتطابق مهاجم نيويورك، سيف الله سايبوف، مع الشكل المعياري للإرهابي الجهادي. ويرجح أنه تطرف بنفسه، ولم يكن ينتمي علناً إلى أي مجموعة إرهابية رئيسية، وما كان ليُحرم من دخول البلد وفق مرسوم "حظر السفر" إلى الولايات المتحدة الذي وضعه ترامب، لأن بلده الأصلي، كازاخستان، ليس من بين البلدان المحظورة.
في محاولتهم إعادة تأسيس دولة إسلامية، استمد المتطرفون الإسلامويون الإلهام من 14 قرناً من التاريخ. ومن المهم في الحركات "الإحيائية" الأصولية الإسلامية المختلفة، أنها تنطوي على درجات متفاوتة من العنف والتحدي للنظام العالمي في زمانها. وعادة ما يذهب المتطرفون المعاصرون إلى الماضي ليعثروا على نماذج يستلهمونها للتنظيم والتعبئة.
ليس من قبيل المصادفة أن يكون تنظيم القاعدة (بما تعنيه "القاعدة" حرفياً)، قد حاول أن يؤسس نفسه أولاً في السودان قبل أن يعثر على موطن له في أفغانستان. وقد خبرت كل من السودان ومنطقة الحدود الأفغانية-الباكستانية حركات جهادية عملت ضد القوى الأوروبية، والتي أنتجت "دولاً إسلامية" قصيرة العمر في أوقات حديثة نسبياً.
وكان اختيار "داعش" لسورية والعراق لإعلان تأسيس "خلافة" أيضاً عملية تنطوي على تمجيد للسوابق التاريخية. وكانت دمشق عاصمة الخلافة الأموية
(661-750)، وكانت بغداد قاعدة الخلافة العباسية (750-1258).
في السودان، أعلن محمد أحمد نفسه مهدياً، وأسس دولة غير معترف بها في الفترة ما بين 1885-1899   قبل أن يهزمه البريطانيون. وقد أرهب المهديون السكان المحليين، واضطهدوا الأقليات المحلية (خاصة المسيحيين الأقباط)، وأحيَوا تجارة العبيد، وتحدوا مصر وحاميتها في ذلك الحين، بريطانيا. ولم يؤذن موت مؤسس الحركة في العام 1885 بنهاية الجهاد.
في نهاية المطاف، هزم البريطانيون المهديين عسكرياً، بقوة إنجليزية-مصرية مشتركة. كما استخدموا الهياكل والمؤسسات الدينية والقبَلية التقليدية لتحدي الأيديولوجية المهدية. واليوم، يوجد المهديون كحركة روحانية صوفية أكثر من كونهم جماعة متطرفة.
بالمثل، أصبحت منطقة الحدود الأفغانية-الباكستانية قاعدة لحركة الجهاد التي تزعمها سيد أحمد برلوي في العام 1826. وتماماً كما انتقل أسامة بن لادن من السعودية، متخلياً عن الحياة المريحة، جاء سيد أحمد من نبلاء شمال شرق الهند. وقد جمع الأموال من كافة أنحاء شبه القارة الهندية، ونقلها من خلال نظام الحوالات، واشترى الأسلحة ليستخدمها ضد إمبراطورية السيخ المتحالفة مع بريطانيا على طول حدود أفغانستان المعاصرة.
على الرغم من أنه قُتِل في العام 1831، وانتهى بذلك وجود دولته الإسلامية قصيرة العمر، واصل أتباع سيد أحمد حملة الطعن العشوائي ضد البريطانيين لسبعين سنة أخرى. وتشكل قيادة الشاحنات والسيارات لدهس الحشود الآن بمثابة النظير المعاصر لتلك الحملة العنيفة.
في نهاية المطاف، استخدم البريطانيون وسائل عسكرية واستخباراتية لإلحاق الهزيمة بالجهاديين هناك. كما أنهم نزعوا المصداقية عن معتقدات الإرهابيين عن طريق دعم القادة المسلمين الذين يعارضون الأفكار المتطرفة.
في الشرق الأوسط، حققت الإمبراطورية العثمانية نجاحاً أقل في التعامل مع الوهابيين، الذين قاتلوا الإمبراطورية من أجل السيطرة على شبه الجزيرة العربية معظم القرن التاسع عشر. وبعد تأسيس الدولة السعودية المعاصرة في العام 1932، عدّل الوهابيون نهجهم تجاه العلاقات الدولية، ولو أنهم لم يعدلوا نظريتهم الدينية. ويجسد تنظيما القاعدة و"داعش" المعتقدات الأكثر تطرفاً للوهابية. وعلى الرغم من أن هذين التنظيمين يلقيان معارضة من الدولة السعودية الحديثة، فإن بالوسع تفسيرهما على أنهما استمرار للتعاليم الوهابية.
لا تستطيع الولايات المتحدة أن تجري تغييرات واسعة النطاق في التعاليم الإسلامية، كما أن ذلك ليس من اختصاصها في الأساس. وسوف ينطوي تصوير الصراع الحالي على أنه معركة مع الإسلام على خطر تحويل مواطني العالم المسلمين البالغ عددهم نحو 1.8 مليار نسمة إلى هدف لمجنِّدي "داعش".
يعني الإسلام أشياء مختلفة بالنسبة للناس المختلفين، وتتم ممارسته بالعديد من الطرق بين الطوائف المختلفة في جميع أنحاء العالم وفي مختلف الأزمان. وتبقى فكرة الجهاد مفتوحة على التأويل، بطريقة تشبه كثيراً فكرة "الحرب المقدسة" في المسيحية. ويبقى المسلمون الذين يعتبرون الإسلام ديناً، وليس عقيدة سياسية، ويسعون إلى الورع والتقوى، شركاء مهمين للولايات المتحدة.
يجب على الولايات المتحدة إعادة تقييم تحالفاتها في العالم الإسلامي على أساس ما إذا كان الشركاء يشجعون التطرف أم لا. ويستحق توجه المملكة العربية السعودية مؤخراً إلى تدريس الاعتدال في الدين، على غرار حملة الإمارات العربية المتحدة ضد الإسلاموية المتطرفة، كل الدعم الأميركي الممكن. ومن ناحية أخرى، فإن دعم بعض الدول لجماعات إسلاموية متطرفة، وقرار تركيا إدراج التعاليم الجهادية في مناهجها المدرسية، يدل على دعم هذه الدول للتطرف.
قبل كل شيء، يجب على الولايات المتحدة أن تركز على هزيمة الإيديولوجية الإسلامية المتطرفة، وليس على تجلياتها الدورية في شكل الهجمات الإرهابية.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Prepare Yourself for Jihad 3.0
*مدير شؤون جنوب ووسط آسيا في صحيفة "وول ستريت جورنال".

اضافة اعلان

[email protected]