استعصاء تشكيل القوائم الانتخابية

قبل شهر من الموعد الرسمي لتسجيل قوائم المرشحين لخوض الانتخابات النيابية المقبلة، يبدو أننا نعيش حالة واضحة من الارتباك بين أوساط المرشحين المحتملين؛ تتمثل في استعصاء تشكيل قوائم انتخابية. هذه الحالة يمكن تعميمها على أغلب الراغبين في خوض السباق نحو "العبدلي"، باستثناء حالات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة من المرشحين المحتملين الذين تمكنوا فعلا من تنظيم قوائمهم.اضافة اعلان
لماذا نجد أنفسنا أمام هذه الحالة؟ باعتقادي أن السبب الأول يكمن في عدم وضوح فكرة القوائم لدى عدد لا بأس به من المرشحين الذين ما تزال تسيطر عليهم عقلية الترشح الفردي التي جرت على أساساها الانتخابات كافة منذ العام 1989، ولم يتمكنوا من الخروج من هذا الإطار.
ورغم محاولات الهيئة المستقلة للانتخاب، وعدد من مؤسسات المجتمع المدني، لتوضيح فكرة القوائم، فإنه من الملاحظ أن حداثة التجربة تلقي بظلالها على المشهد الانتخابي الذي تسوده حالة من التشتت أساسا. وبالتالي، ما يزال العديد من المرشحين المحتملين يتعاملون مع الحدث الانتخابي المرتقب كما كانوا يتعاملون مع أي انتخابات سابقة.
السبب الثاني، هو التخوف الموجود لدى عدد من المرشحين من عدم قدرتهم على ضمان حصولهم على أصوات من شركائهم في القوائم، أو ما يسمى في الشارع الانتخابي "حجب الأصوات" بين المرشحين في القائمة الواحدة. هذا التخوف هو نتيجة طبيعية لعقود من ممارسة الفردية السياسية التي عززتها الأنظمة الانتخابية المتلاحقة منذ العام 1993، والتي اعتمدت نظام "الصوت الواحد" والدوائر الصغيرة ذات المقاعد المتعددة. لذلك، يبحث كل مرشح عن شركاء "مضمونين"، ولديهم الاستعداد لدعم شركائهم في القائمة.
نتيجة هذا التخوف ونتيجة الخوف من آلية احتساب عدد المقاعد، يسعى بعض المرشحين الأقوياء إلى تشكيل قوائم لا تحتوي على شركاء أصحاب وزن انتخابي قوي؛ أي إن البعض يريد فعليا خوض الانتخابات منفردا، لكن من خلال قائمة لا تحتوي على منافسين. وهذا الانطباع يقف حائلا أمام تشكيل شراكات حقيقية وقوية.
سبب آخر يمكن أخذه بعين الاعتبار، هو أن معظم الأحزاب السياسية، باستثناء حزبين أو ثلاثة، والتي يفترض أن تكون الأكثر جهوزية لخوض تجربة القوائم، تجد نفسها (الأحزاب) أمام الواقع الذي طالما أنكرته، والمتمثل في عدم وجود ثقل حقيقي لها على الأرض، وبالتالي عدم قدرتها على تشكيل قوائم خاصة بها، والأهم عدم قدرتها على التعاون فيما بينها لتشكيل قوائم مشتركة.
ولا يمكن أن نتجاهل هنا الدور الذي يلعبه المال في تشكيل القوائم الانتخابية؛ إذ يسعى بعض المرشحين المحتملين من أصحاب المال إلى تكوين قوائم خاصة بكل واحد منهم، وتعبئة خانات هذه القوائم من خلال مرشحين موالين لهم وليسوا من أصحاب الوزن الانتخابي الثقيل. وفي المقابل، يقوم أصحاب المال بتحمل تكاليف خوض هذه الانتخابات، بل إن الحديث في بعض الحالات يصل إلى عرض مبالغ مالية على الآخرين لقاء الدخول في القائمة من دون شراكة حقيقية أو دور فعلي لهؤلاء المرشحين.
الأصل في نظام القوائم الانتخابية أن يكون حافزا في تجميع المرشحين أصحاب البرامج المتقاربة، وخوض الانتخابات على أساس برامجي. لكن ما يحدث لغاية الآن، مثير للقلق؛ إذ ما تزال السطوة للمال والروابط العشائرية والمناطقية، وهذا تماما عكس المأمول من قانون الانتخاب الجديد. ومع تشبثنا بالأمل في تشكيل قوائم برامجية وسياسية خلال الفترة المقبلة، وإدراكنا لحداثة التجربة، إلا أنه يجب أن نعترف أننا ندفع الآن ثمن عقود من ممارسة الانتخابات وفق أنظمة عززت الفردية والاعتبارات ما دون الوطنية. ولعل انتخابات هذا العام تكون تجربة مفيدة لتطوير النظام الانتخابي مستقبلا، بشكل ينقل الانتخابات من حدث اجتماعي إلى حدث سياسي بامتياز.