"استقلال المملكة المتحدة" عربياً

أخيراً، وأسوة بمستعمراتها السابقة الكثيرة، صار للمملكة المتحدة "يوم استقلال"، بتعبير زعيم حزب "استقلال المملكة المتحدة" نايجل فاراج، غداة تأييد أغلبية المصوتين (51.9 %) في استفتاء الخميس الماضي، خروج بلدهم من الاتحاد الأوروبي. وهي النتيجة التي علق عليها الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنها تعبير عن أن "الثقافات تتصادم".اضافة اعلان
طبعاً، يمكن إيجاد العديد من "الحوافز" الثقافية/ القومية التي رجحت كفة "الاستقلاليين" في إنجلترا وويلز خصوصاً (إذ إن الغالبية في كل من أسكتلندا وأيرلندا الشمالية صوتت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي)؛ لاسيما التخلص من سياسات الهجرة "المفروضة" من بروكسل؛ مقر مؤسسات الاتحاد لأوروبي. مع الإشارة هنا إلى أنه خلافاً للانطباع السائد عربياً، فإن مشكلة المملكة المتحدة مع الهجرة لا ترتبط أساساً، أو أقلها بشكل مباشر، باللاجئين والمهاجرين القادمين من منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي؛ بما يعنيه ذلك أيضاً من تنامٍ لخطر الإرهاب "الإسلامي"، بل مصدرها الرئيس هو القادمون من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، لاسيما في أوروبا الشرقية.
لكن في مقابل "الصراع الثقافي/ القومي"، وكما نبه أغلب الإعلام البريطاني والعالمي، يبدو صراع الأجيال أكثر رجحاناً في تفسير "استقلال المملكة المتحدة". وهي حقيقة تمثل بدورها عظة –أولى وأهم- يجب الاستفادة منها في المجتمعات العربية التي تهيمن عليها فئة الشباب.
فكثير إن لم يكن جميع استطلاعات الرأي قبل الاستفتاء، كانت تُظهر بجلاء شديد تأييد فئة الشباب في المملكة المتحدة البقاء في الاتحاد الأوروبي، مقابل تأييد الأكبر سناً للخروج من "الاتحاد". وهو ما تأكد بالنتيجة النهائية. إذ بحسب استطلاع لموقع "YouGov" في يوم الاستفتاء، صوتت غالبية الفئة العمرية 18-49 عاماً للبقاء في الاتحاد الأوروبي (66 % من فئة 18-24 عاماً؛ و52 % من فئة 25-49 عاماً)، في مقابل تأييد أغلبية الفئة العمرية 50 عاماً فما فوق لمغادرة "الاتحاد" (53 % من فئة 50-64 عاما؛ و59 % من فئة أكبر من 65 عاماً).
هنا، يبدو مغرياً، وحتى منطقياً، لوم "كبار السن" على فرض رؤيتهم وموقفهم على فئة الشباب تحديداً التي ستكون معنية وحدها قريباً بتبعات الخروج من "الاتحاد". لكن هذا الأمر ليس صحيحاً تماماً.
إذ كان "YouGov" أجرى استطلاعاً على العينة ذاتها قبل يوم من الاستفتاء، أظهر النتائج ذاتها باتجاهها العام، لكن الخلاف الجوهري في يوم الاستفتاء كان ارتفاع نسبة المستنكفين من الشباب عن المشاركة في التصويت (10 % من فئة 18-24 عاماً؛ و7 % من فئة 25-49 عاماً)، مقارنة بنسبة المستنكفين من الأكبر سناً (5 % من فئة 50-64 عاماً؛ و2 % من فئة أكبر من 65 عاماً).
باختصار، على الشباب لوم أنفسهم قبل أي فريق آخر، لأنهم هم من سمح لسواهم بتحديد اتجاه مستقبلهم بخلاف ما تريد أغلبيتهم.
مسألة أخرى ملفتة في استفتاء "استقلال المملكة المتحدة"، أكدتها صحيفة "فايننشال تايمز" في تحليلها للنتائج، بعد أن كان أشار إليها سابقاً مركز "الإصلاح الأوروبي"؛ وهي تتمثل في أن "المناطق التي شهدت أعلى عدد أصوات للخروج من الاتحاد الأوروبي، هي أيضاً الأعلى في ارتباطها بالاتحاد اقتصادياً، باعتمادها على تصدير منتجاتها إلى بلدانه"!
فهل كانت محاولة لمعاقبة السياسيين ارتدت على أصحابها أيضاً؛ بحكم السير وراء السياسات الشعبوية، أو نقص المعلومات؟! هذا درس ثان يتوجب أن يتوقف عنده المواطنون العرب الذين لا يقدم لهم أغلبية سياسييهم سوى الشعارات والوعود المدمرة، وليس الزائفة فحسب.