اسمحوا للفلسطينيين بان يقرروا

يديعوت–افرايم هليفي

خطوة "كف النار" للجيش الإسرائيلي والحكومة لم تضرب جذورها بعد، وها هي محافل دولية واقليمية تسارع الى تصميم الواقع الذي بين إسرائيل والفلسطينيين وبين الفلسطينيين أنفسهم. الانجازات المثيرة للانطباع والمتميزة للجيش والمخابرات الإسرائيلية اوقعت بحماس هزيمة شديدة واليمة، سحقت اجزاء واسعة من قدرتها القتالية وتركت قيادتها دون استراتيجية، عزلتها عن مصر والسعودية والشقيقات السنية، واثارت هجرا حقيقيا من جانب سورية العلوية، وإيران الشيعية وحزب الله.

اضافة اعلان

ولكن لا ينبغي تجاهل الجانب الاخر من العلة. فبالذات شدة الضربة المثبتة لحماس تبرز نجاتها حيال نار غير مسبوقة امطرها الجيش الإسرائيلي عليها من الجو، من البر والبحر، وكطير الرمال نهضت من حطامها وتدير مفاوضات عنيدة مع مصر. وهي تبحث عن تلبية لاحتياجاتها ولا تتجه الى الاستسلام دون شرط.

إسرائيل ودول اخرى تعنى الان بـ "ترتيب" – لا تفاهمات واتفاقات – في المسائل المختلفة. في نظرها حماس ليست "طرفا" وليست جديرة بالدعوة للحضور. ولكن في نفس الوقت تتطلع عيون العالم بالذات الى حماس، في رغبة وفي أمل بان تنزل الرأس وتقبل املاءات الترتيب الرامية الى احداث سياقات تنتهي مع انعدامها.

ازدواجية الموقف هذا من حماس صعبة الفهم. فهي كانت "الطرف" في معركة مركزية في النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، ولكن مع انتهاء المعارك فانها تصرف كمن ليست موجودة على الاطلاق. ونحن نسأل الى اين تتجه إسرائيل، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (مصممو الترتيب) – ولكن احدا لا يسأل اين الفلسطينيين في هذه القصة التي امامنا.

السلطة الفلسطينية لم توقع على أي وثيقة تتعلق بالحرب التي تنتهي الان. وهي ليست طرفا في مداولات الترتيب، وعن حق. فماذا فعل الرئيس الفلسطيني في الاسابيع التي امطرت فيها إسرائيل النار دون انقطاع على نصف شعبه. في الخفاء يصلي لانتصار الجيش الإسرائيلي على خصومه السياسيين، وعلنا يسارع الى مجلس الامن ويتهم إسرائيل بانها تنفذ، ليس اقل وليس أكثر، ابادة شعب. وهكذا سعى ابو مازن لان يصم زعماء إسرائيل كمجرمي حرب، جديرين بان يحاكموا امام المحاكم الدولية. هل من يطلق هذا الهراء سيكون ضيفا مرغوبا فيه من الان فصاعدا في منزل رئيس الوزراء؟

السلطة الفلسطينية وفي داخلها حزب فتح اصبحت منذ زمن بعيد هيئة مخلولة وشاحبة، عديمة التأييد الجماهيري في اوساط الشعب، وعليها، كما يتبين، يسعى المرتبون الاقليميون الى أن يقيموا مستقبل الشعب الفلسطيني وحلمه.

هذه خطة مهزوزة من جانبين. من جانب، منذ 15 سنة امتلأت دول العالم غضبا على تبخر تبرعات ببلايين الدولارات واليوروهات للسلطة الفلسطينية. تكرارها تعيين حكم السلطة الفلسطينية في صيغتها الحالية مقاولا فرعيا لترميم غزة يدعو الى مسرحية متكررة ومخجلة لتجربة الماضي. من جانب آخر، لا مجال للافتراض بان حماس، التي ما تزال في غزة، ستسمح لابي مازن ورجاله بدخول غزة على عكازتي مصر وإسرائيل وهو يستند الى العصا (والجزرة) من انتاج الولايات المتحدة وأوروبا.

من السابق لاوانه ان نعرف كيف ستصمم حماس استمرار طريقها. اليوم هي تواصل التبجحات، ولكن في الزمن القريب القادم ستضطر الى التصدي للحطام في غزة ومع تحطم طريقها. البند السابع في قرار مجلس الامن رقم 1680، الذي دعا الى وقف النار استند الى رغبة العالم العربي في "تشجيع سياقات عملية نحو مصالحة فلسطينية داخلية". طالما بقيت حماس منبوذة، فلا يوجد أي مبرر او أي احتمال في أن تبتعد عن طريقها السيئ. بالمقابل، اذا فتحت لها كوة، فلعلها تبحث في بديل لايديولوجيتها، التي اوقعت عليها مصيبة بهذا القدر.

وبدلا من ان يحاولوا مرة اخرى تصميم مستقبل الفلسطينيين في واشنطن، في باريس وفي القدس، لعلنا نحاول نقل مهمة الترتيب الى العالم العربي والفلسطينيين انفسهم؟ ربما ينجحون في المكان الذي فشلنا فيه ومن شأننا أن نفشل فيه مرة اخرى؟

لعل القاهرة والرياض وعمان تنجح في جذب حماس الى داخل نسيج يبعدها عن دمشق وطهران؟ ولعل رجال القاعدة سيعودون لوصف حماس كخونة مثلما فعلوا قبل سنتين؟ اعطوهم الفرصة، ودون أن نعرقلهم. سنحاكمهم في اختبار النتيجة.